في حديقة الأدب الفرنسي

 


عزالدين المدني 



كان أستاذنا الفرنسي المحبوب في معهد كارنو كثيرا ما قرأ علينا قصصا قصيرة كتبت خلال القرن التاسع عشر وذلك في أثناء الدروس التي يلقيها حول تحرير الإنشاء أو تحليل النصوص المختارة . وظاهر أنه كان مولعا بالأدب فقد كان ينتقل بين عصوره الفرنسية بكل يسر ’ مثلا من القرن التاسع عشر إلى القرن الرابع عشر ومنه إلى القرن السادس عشر. وقد كان يفضل كتابا وشعراء على آخرين ’ فقرأ علينا مسرحية السيد لبيار كورناي على مرتين مدة أسبوعين’ فقرأها قراءة مسرحية وكأنه يؤدي دور العشيقة شيمان أو دور "دون دياق" . وإذا انتقل إلى القصة والرواية وقرأ مقتطفات طويلة من رواية "مادام بوفاري " التي لا يعدل بها أي رواية أخرى ولو كانت " البؤساء" لفيكتور هيجو أو "الأحمر والأسود " لستندال . ولعله كان يميل نحو رواية " الأب قوريو" لبلزاك ويراها قمة في دقة الوصف وصرامة الحبكة . وإذا تغنى باللغة الفرنسية ’ وشرح لنا أصولها الحضارية واللغوية فانه كان يعشق الكاتب الروائي المفكر رابلي ’ أشهر كاتب في القرن السادس عشر ’ والغريب أنه كان يؤثره على الكاتب المفكر عميق التفكير " مونتاي" وهو الذي قال " ماذا أعرف؟ " فذهبت مثلا في الفكر الفرنسي قبل "باسكال " و" ديكارت" الفيلسوفين الشهيرين . وإذا انتقل إلى الشعر ذكر إحدى قصائد ديوان "أزهار الشر" لبودلير ورددها على مسامعنا حالما منتشيا ’ وسرعان ما ينتقل الى قصائد الشاعر الكبير "أبولينار " ولا سيما قصيدة " تحت جسر ميرابو يسيل (يجري ) نهر السان ’ فهل يجب أن نتذكر فالفرح يأتي بعد الشقاء ...(هذه ترجمة عربية حرة مني ) ولعله يفتح قراءاته الشعرية بقصائد ألفريد دي موسي حول الحب والعشق والهيام بالمعشوقة ’ ولربما تكون المعشوقة الكاتبة الروائية جورج ساند حين يغازلها في قصيدة (ليالي شهر ماي) وكلها تلميحات وإشارات إليها. ولا ندري كيف ينتقل الى مسرحية  " البخيل" أو مسرحية "البرجوازي المتنبل " (الترجمة عربية حسب المشهور) لموليار بمجرد إشارة يتخلص إلى شعر بول فاليري صاحب القصيدة الشهيرة "الجبانة البحرية" ويلذ له في آخر الساعة أن يفصل تعاليقه على أحد أشرطة شارلي شابلان وغرامه بشريط " لوكيد" (الصغير) .

كنت ألاحظ أن أستاذنا الفرنسي هذا وكأنه يتجول في حديقة خصبة وارفة الظلال لا حدود لها من أملاكه قد أنبتت جميع أنواع الأزهار والرياحين يمتص النحل رحيقها ويتغذى...

تعليقات