مخابر ‏قمرت ‏في ‏حالة ‏موت ‏سريري

واڨمرتاه-3

بقلم: الراضي التريمش

آلت الساتباك إلى السيد طارق بن عمّار في 2003 وتزامن ذلك مع الثورة الرقمية التي شملت مجال التقنيات السينمائية ولم يجد نفسه ملزما بتطوير المخابر في اتجاه التقنيات الرقميّة فالعقد الذي يربطه بوزارة الإشراف لم ينصّ على ذلك. والواقع أن السيد طارق بن عمّار لا يُلام على ذلك بقدر ما تلام سلطة الإشراف التي لم تحسن التفاوض ولم تكن لها حاسّة استشراف المستقبل.

اصبحت المخابر في حالة موت سريري بعد ان تمّ ترويج فكرة ان المشروع يهدف إلى بعث قطب تكنولوجي وان قمرت ستتحوّل الى خليّة ابتكار وتكوين وفضاء يجمع مؤسسات صغرى ومتوسطة تنشط وتبتكر في المجال. وكانت المدرسة العليا للسينما والسمعي البصري جزءا من هذا التصوّر الطموح. وتمّ تخصيص قطعة ارض لوزارة التعليم العالي لبناء مقرّ جديد يليق بمدرسة عليا من المفروض ان تكون جزءا من القطب، تتولّى التكوين والتدريب. لكنّ المدرسة غرقت في تفاصيل البيروقراطية والعجز عن حلّ المشاكل التي ظهرت في الأثناء مثل العثور على بقايا هياكل عظميّة عند انطلاق الحفر استعدادا للبناء فأفتى المختصّون في التراث أن الموقع اثري لا يمكن البناء فيه. وتوقّف البناء وبدل البحث عن بدائل ظلّ الموقع مهملا واصبح محيط المدرسة منفّرا وموحشا. وأصبح انتخاب المدير وحشد الأنصار الشيء الوحيد الذي يستقطب اهتمام الاساتذة بقطع النظر عن تكوينهم وقدرتهم على التسيير وتصوّر برامج يستفيد منها الطلبة. وتكفي إطلالة على صفحة المدير الحالي للاطلاع على اهتماماته ومشاغله فهو إمّا منخرط في الدفاع عن يوسف الشاهد بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأخيرة أو عمّن يتولّى حقيبة التعليم العالي وإمّا بصدد توقيع اتفاقيات شراكة مع مؤسَسات او هيئات لا تعود على المدرسة او الطلبة بأية فائدة.

والواقع ان حال المدرسة والمخابر من حال المناخ الذي يسيطر على البلاد خصوصا منذ 2011 إذ اصبح تدمير المكتسبات الوطنية هو الشاغل الرئيسي للحكّام الجدد ليحلّ محلّ الرغبة الصادقة في البناء والتأسيس زمن الدولة الوطنية، منذ السنوات الأولى للاستقلال إذ تمّ بعث الساتباك سنة 1958 أي قبل بعث وزارة الثقافة. وقامت بدور تثقيفي وتنويري وإعلامي من خلال الجريدة السينمائية وانتاج الأفلام التعليمية والتحسيسة والإرشادية قبل أن تبعث التلفزة سنة 1966. وعلى غرار الساتباك تمّ بعث مؤسسات عديدة مثل الشركة التونسية للنشر والشركة التونسية للتوزيع وشركة نغم.

وقد كان الخيار في بداية التسعينات هو الخوصصة العمياء دون دراسات جادّة فتمّت تصفية تلك المؤسسات بدعوى إطلاق المبادرات الخاصة والنتيجة ان مئات الشركات قد نبتت كالفطر في مختلف مجالات العمل الثقافي والابداعي مثل الإنتاج السينمائي و المسرحي ونشر الكتاب دون ان يواكب ذلك تطوّر في الانتاج ومضامينه و أشكاله. وقد هرع كثير من المتطفلين لإنشاء دكاكين لممارسة تلك المهن طمعا في الحصول على تمويل عمومي، لأن كراريس الشروط كانت فضفاضة ويمكن الالتفاف على شروطها والانتصاب بشكل فوضوي. وتعمّقت الأزمة بعد 2011 وإلغاء وزارة الاتصال ووكالة الاتصال الخارجي لتحلّ محلّها الهايكا العاجزة عن إنفاذ القانون وردع الخارجين عنه فاستشرت الرداءة في التلفزات والاذاعات واصبح همّها الوحيد تحقيق نسب عالية من المشاهدة وعائدات الإشهار بقطع النظر عن المحتوى الذي نزل إلى الحضيض  وها نحن نشهد حربا شعواء لتقنين الفوضي والخراب وفتح المجال لكلّ من هبّ ودبّ لبعث إذاعة او تلفزة خاصّة من خلال تنقيح المرسوم 116 وهي سابقة لم تحدث في أكثر الدول تحريرا للمبادرة. ويبدو ان كلّ ذلك ينتظمه خيط رفيع وهو تمييع وتدمير الثقافة وتهميشها فرئيس الحكومة يحصر الثقافة في التفرهيد و الترفيه والحال ان الثقافة والفنون لو كانت تحظى بما تستحقّه من دعم واهتمام لأصبحت قاطرة للتطوّر والنهوض بالإنسان لما لها من قدرة على الاستشراف ورسم آفاق المستقبل ومحاربة الظلامية والتخلّف.

تعليقات