معرض ‏دنيدن ‏يسائل ‏الواقع ‏ويرسم ‏هواجسه

بقلم : محمد المي

ليست نساء بوتيرو فقط هي التي تشده إلى الألوان فينوع مواقعها ويتفنن في طلائها وتزيينها وانما ملابسات الواقع ومشاكل الراهن وصخب الحياة ايضا هو الذي يخرجه من عوالم بوتيرو .
كان آخر معرض اقامه دنيدن في مكتبة ملاصقة لفضاء مدار قرطاج لم يأخذ صدى اعلامي جيد وكأنه مر في غفلة من احباء الفن ورواده ...في ذلك المعرض عرض دنيدن تجارب مختلفة تماما عما ألفناه وتعودناه منه طيلة سنوات من الحضور التشكيلي وهاهو في المعرض الذي افتتحه أمس 3 اكتوبر 2020 بفضاء كاليستي يعلن فيه من جديد هذا الخروج عن المألوف ويكسر أفق انتظار المتلقي بلوحات مختلفة تفاوتت احجامها واختلفت مواضيعها وتنوعت مواقعها فلم يجعلها دنيدن في مكان منعزل بل جعلها تتخلل مواقع مختلفة مبثوثة هنا وهناك تتخللها نساء بوتيرو ؟ 
بمنطق الشعر يمكن ان نقول أن اللوحات التي تحتوي على نساء بوتيرو كالترجيعة التي نحافظ على الإيقاع الداخلي للقصيدة 
التوزيع البصري في معرض كاليستي لم يكن عفويا بل قصد كوميسار المعرض ان تكون لوحات التجربة التي عرف بها دنيدن موزعة داخل التجربة الجديدة .
تداخل بين تجربتين مختلفتين لفنان واحد فالقديم يحيل على الجديد والجديد يأخذ شرعيته من القديم ليحتل مكانة في ذاكرة المتلقي الذي ترسخ في رأسه ان دنيدن لا يرسم الا نساء بوتيرو
والمشكلة ليست فيما يرسم دنيدن فتلك اختياراته الجمالية التي لا يناقش فيها ولا يساءل عنها ولكن من حقنا ان نتساءل عن كيفية مروره من تجربة كرسها وغرف بها الى أخرى قد تفقده ملامحه ؟ واكاد اجزم بسرعة ودون عناء تفكير انه نجح في ذلك عندما أختار من نساء بوتيرو السمينات المكتنزات المكورات الى سيارات " الكوكسنال" ذات الشكل السلحفاتي المدور والمكتنز ومثلما تتراص النساء في الأسواق أو في الحمامات تتراص السيارات في الطرقات تعبيرا عن الفوضى التي يشجبها الفنان .
طلب الهدوء والراحة والوحدة والسكينة والميل الى الصمت مقابل الصخب والتعب والتجمع والضوضاء والمهاترات الكلامية الفارغة .
لقد نجح الفنان في اثراء عوالمه والخروج تدريجيا بمتلق له انتظارات محددة دون أن بصدمه بل اقنع في المحافظة على البصمة .
معرض يتجلى فيه الفن محددا من محددات الوجود قادرا على مساءلة الراهن و عكس اسئلة الواقع ففي المعرض الكثير مما يقع الآن وهنا بذكاء الفنان العفوي وبفطرة المبدع الذي يعبر عن الضجر بما يحدث بأدوات الفنان حتى ان الاشكال في بعض اللوحات تفقد معناها والالوان تتكاثر الى درجة يمجها ذوقك كأنه اكثر منها وماهو بمكثر الا بالهم الذي ينوء به وبالحمل الذي أثقل كاهله .
يحلق بشخوص لوحاته هربا من دنيا البشر تاركا  الشر لأهله نائيا بإبطال لوحاته عن عالم تساوت فيه الاضداد واختلط فيه الجيد بالرديء 
معرض دنيدن فرصة لاراحة البصر واعمال الفكر واعادة التأمل في واقع جهنمي قد يوحي اليك بفردوس تتوق إليه .

تعليقات