ملاحظات على مسرحيتي عزيزة عثمانه


[ملاحظات على مسرحيتي عزيزة عثمانه ]

         

ليست مسرحيتي عزيزة عثمانه مسرحية تاريخية بل هي مسرحية شبه تاريخية، كأنّك تقول هي تصف مثل الوقائع والأحداث التّاريخية الحقيقيّة المسجلّة في الكتب فعلًا. ولكن الإشكال هو أنّي لست مؤرخًا وإنّما أنا كاتب مسرحيًّ. فلقد كتبت في هذا السّياق عددًا من مسرحياتي شبه تاريخية كثورة صاحب الحمار وكحمُّوده باشا الحسيني وكسيرة الرّشدية وسواها. وإني أعتقد جازم الاعتقاد بأن التاريخ ليس حجّة على فنّ المسرح لأنّ فنّ المسرح عماده الخيال الخلّاق، إذ التّاريخ في باب الوثائق الّتي تروي ما تم تفيعله حقًا أمَّا فنّ المسرح فإنّه في باب المجاز والتّوريّة وضرب الأمثال وتقلّب الأماكن والأزمان والشخوص. وماكتبتعزيزة عثمانه إلّا لأن تكون هذه الشّخصية حاضرة راهنة بيننا اليوم ولو أنّ النّاس يحنّون إلى صورتها ويتشّوقون إلى سيرتها وإلى معرفة ما فعلته وما أنجزته في حياتها.

 

[ لهؤلاءالطلبة لفن المسرح ولمحبّيه ]

 

الإخراج وجميع مقّوماته كالسّينيوقرافيا والتّمثيل والأزياء والأكسِسْوار والتّقنيات الضّوئية والصّوتية إنّما هي عوامل كلّها تقريبًا تعمل لإلباس النّصّ المسرحي وتجسيمه ماديًّا بفضل رؤية فنيّة متكاملة مبلورة، هادفة، مقنعة بطرافتها وابتكاراتها لدى العاملين الفنّانين في غضون التّدريبات أولا وثانيا خلال العرض أمام الجمهور لكي تكون المسرحية ناجحة فنيًّا وجماهيريا معا.ومن جهة أخرى كلّ مسرحية على صعيد النّصّ تحتمل إخراجات متعدّدة ومختلفة ومتباينة ولربّما متناقضة تقودها رؤية فنيّة مركزية على سابقاتها لكي تحظى بالقيمة الفنّية. ولكن يبقى النّصّ رغم ما يدخل عليه من تعديلات بقلم مؤلّفه أو تعديلات إخراجية لا تكون إلّا بالاتفاق مع المخرج، ويبقى النّصّ مفردًا وحيدًا.

 

[ العمل المسرحي عمل منتظم ]

 

 

لا بّد من احترام نصّ المسرحيّة من قبل المخرج ومن الممثلين خلال التّدريب أو عند العرض أمام الجمهور. فإذا كان النّصّ مكتوبًا باللغة العربّية فلا بدّ من اتّباع قواعد اللّغة من نحو وصرف وتفخيم للحروف وترقيقها قصد الإلقاء السّليم في أذن المتفرّج أو المستمع. وإذن فلا يحّق للممثّل أن يعتدي على اللّغة بالتكسير أو بتغيير أصواتها اللّهّم إلا لضرورات الإخراج القصوى و بالاتفاق مع صاحب النّضّ ومؤلّفه.

 

      وهي نفس المعاملة الفنّية الّتي تُعَامَل بها اللّهجات والمصطلحات والأقاويل العامة والخاصّة، وأفضل الكتابة باللّهجات تجنّب المعروف منها والعادي والمبتذل والسّطحي والغريبة الّي فاتها الزّمن.

 

[ تقدير منّي وتكريم لها ]

 

إنّي بادرتُ وحدي وبمفردي ومن تلقائي نفسي بتكريم الممثّلة القديرة عزيزة بولبيار، وتكريمي لها يتمثّل في إهدائها مسرحيتي عزيزة عثمانه قبل أن تتولَّى دور الشخصيّة الأولى في هذا النصّ المسرحي وهو دور يناسبها تمامًا إذ هناك تطابق بين العزيزتين الأولى إنسان من لحم ودم، فنّان موهوب، أمّا الثانية فهي إنسان أدواره الحيّة الفنية من إبداع الخيال كالشّبح، كالظّلّ، كالمجّسم الوهمي، كخيال الرَائي، والنّائم، والحالم، والمتذكر بالذكرى المكررة. والمسرحية المُبْهِرة تعيش وتحيا دائمًا في ذاكرة الغيب.

 

مبادرتي، إكرامي لها ولأعمالها الفنِّية الحرفِيَّة المثابرة على طول السّنين مع السّموّ والعلوّ.أتمنّي أن تحظى زميلات لها بفضل الموهبة والنّبوغ إلى مرتبتها في قادم الأيّام بتونس المسرحيّة.

 

[ كلام على كلام ]

 

مسرحياتي ليست كلاسيكيّة ولا تنتمي كثيرا ولا قليلا للكلاسيكية ولا للرّومنيّة والواقعية والطبّيعية والتّعبيرية والسّريالية والدادّائية ولا لليابانية النَّو وغير النّوولسيّة للواقعية الاشتراكية أو الواقعية الماركسيّة أو للخطاب الأيديولوجية السيّاسي الذي يلقي الدّروس ويبثَّ الإرشاد والتّوجيه أو المنع والتّحريم...

 

       أهل الغرور والادّعاء والجهل هم الّذين يتحدَّثون عن فنّ المسرح بالبهامة والكلام المغرض والكلام الفارغ وكلام الثّرثرة والهذيان في المقاهي والبارات.

 

[ تَعَلُّم واطلّاع واستشراف ]

 

      لقد عرفتُ في حياتي الفكريّة عظماء فنّ الإخراج وفنّ التّمثيل في عدد لا يستهان به من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا والمجر وروسيا بالإضافة إلى سوريا ومصر والمغرب والجزائر ولا أنسى تونس الإبداعيَّة. كما مارست الإخراج والتّمثيل ونلت جوائز شرفّية في التأليف، وحظيت بانتخاب ككاتب مسرحي بين كتاب أجانب آخرين.

 

أوليت اهتمامًا واسعًا بالفنّ السّينمائي. كتبت عددًا من السّيناريوات. نلت أخيرا جائزة أمريكية لكاتبة سيناريو فلم متوسّط الطّول بإخراج الفنان المثقف أحمد بنيس وذلك منذ سنتين تقريبا. عنوان الشّريط: المُحَمّدِّية. وهو إسم قصر بناه أحمد باشا باي الأول عاليا لكنه تهدّم آخر الامر.

 

[ هل الأمس يبقى حاضرًّا ]

 

لقد تنّبأتُ بأحداثٍ قبل وقوعها في عدد من مسرحياتي. لنقل إنّه استشراف وتطلّع حَدَسِي لما سيأتي به الغد القريب أو البعيد.

 

      لقد قرأت نصّ مسرحيتي "عزيزة عثمانه" على الممثلّة عزيزة بولبيار في شهر نوفمبر 2019 في قاعة دار الثقافة ابن رشيق أي قبل أن يصل خبر وباء الكورونة بشهور عديدة إلى تونس أي في فجر فصل الرّبيع 2020. فكيف تنّبأتُ بالوباء المشار إليه في نصّ المسرحية؟

هل صحيح ما يقوله ويكتبه ويؤكّده المفكّرون وفلاسفة الابداع المسرحي والأدبي إجمالًا والفنّ التّشكيلي كذلك، من أن عمل الفنّان يتجاوز الفنّان نفسه؟؟؟

وهو الابداع ذو القيمة الزّمنية المستمرة إنما هو المصدر والمرجع لا من المبدع الّذي كتب وخلق؟؟؟

عز الدين المدني

                                                                       29/11/2020 

تعليقات