آدم فتحي يكتب عن محمد المي 2

 


صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية

بقلم : آدم فتحي

                                                       

 

ذاك عنوان أحدث كتب محمد المي ’ وقد سعدت بهذا الكتاب لأسباب عديدة . من بينها أني واكبت مسيرة صاحبه منذ البدايات فإذا هو يتحرك في شتى الاتجاهات دون أن يغفل عن مشروعه الأساس : التنوير في تونس من خلال الطاهر الحداد وعصره وما يتعلق بهما من آثار وأعلام وظواهر وقضايا وهاهو يثبت عن طريق كتابه هذا أن ملامح مشروعه تتضح عملا بعد آخر .

يناقش المي في هذا الكتاب بعض تعريفات الأمثال ’ ذاهبا إلى أن مبدع المثل " هو ابن البيئة التي ابتكر منها خطابه " مشيرا إلى أن من الأمثال ما يتضمن كلمات نجد صعوبة في فهمها لأنها لم تعد مستعملة في زماننا أو لأنها بقيت أسيرة جهات دون أخرى ’ مضيفا أن في صمت هذه الأمثال عن المرأة المتعلمة وعن المتغيرات التي طرأت على "المرأة الجديدة " دليلا على ارتباطها بفترة تاريخية معينة ’ على الرغم من أن كتاب الأمثال الجماعي "يوهم باللازمان واللامكان في الآن نفسه " .

وهو يخلص بعد ذلك إلى تحديد المدونة موضوع البحث ’ معتمدا أساسا على مؤلفات الطاهر الخميري والصادق الرزقي ومحيى الدين خريف ’ مصنفا الأمثال راصدا طرق تعاملها مع المرأة في مختلف أحوالها وأطوارها ’ محاولا النفاذ إلى ما ينطوي عليه هذا الخطاب الجماعي من إستراتيجية جلية أحيانا ’ خفية أحيانا أخرى ’ لا تتورع في جل الأحيان عن الجهر بدونية المرأة والتحذير منها والحث على مطاردتها باعتبارها الكائن المخيف ..." .

ثم يختم كتابه بمسرد للأمثال العامية التونسية المتعلقة بالمرأة تليه قائمة بالمصادر والمراجع المعتمدة ’ دون أن ينسى تذكير قارئه بغاية الكتاب الأساسية المتمثلة في الإشارة ولو من بعيد إلى أن من شروط النهوض تخليص العقليات  من أفكارها البائدة " فليس كل تراثنا جديرا بالحفظ من التلاشي والاندثار وان كان كل تراثنا جديرا بالاعتناء والاهتمام ..."

كتاب ممتع بأسلوبه ’ مفيد بما يسد من ثغرات على الرغم من صغر حجمه ’ وقيّم بما يدفع إليه من أسئلة تحث على المزيد من البحث والتحقيق .

من ذلك ما يتعلق بتعريف الأمثال فقد وضع الكاتب ديمومتها موضع السؤال ثم تعامل معها بوصفها "غير مرتبطة بالزمان ولا بالمكان " إذ اعتبرها أرضية النظرة العدائية التي قوبلت بها آراء الحداد في عصره والتي لم تغب عن بعض المثقفين في عصرنا هذا . ولو لم نكن نعلم الجهد الذي يتطلبه الأمر ’ لتمنينا عليه أن يقسم المدونة التي اعتمدها إلى بيئات وأزمنة كي نعرف الفوارق في النظر إلى المرأة  بين هذا المكان وذاك وبين هذا الزمن وذاك ’ أو كي نتأكد فعلا من عدم وجود فوارق فيثبت لدينا أن هذه الأمثال تعطينا حقا صورة عن المرأة في ثقافتنا الشعبية ككل وليس في مرحلة معينة.

مما يقودنا إلى ملاحظة أخرى تخص المدونة تخص المدونة ’ فالكاتب يتحدث في كتابه هذا عن "الأمثال العامية التونسية " بالتعريف الذي يوحي بالشمول ’ في حين أن المدونة التي اعتمدها لا تدعي ذلك . الطاهر الخميري يقول إنها منتخبات أو مختارات من الأمثال العامية التونسية    (الدار التونسية للنشر 1967) الصادق الرزقي لم يدوّن من أمثالنا سوى 1460’ أغلبها من أمثال مدينة العاصمة (دار سحر 2001) فهل هذه أمثالنا العامية ؟ وإذا كانت مجرد جزء من أمثالنا فهل في وسعنا الانطلاق منها لتحديد صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية ؟ بما تعنيه هذه العبارة من إطلاق ؟ ثم من أدرانا بأن مدوني هذه الأمثال وجامعيها لم يهملوا أمثالا أخرى ذات دلالة مناقضة لما هو بين أيدينا ’ تعبر عن تيارات معاكسة تهدر في باطن المجتمع شبيهة بما تخفيه البحار أحيانا من أنهار جوفية عذبة ؟ ولماذا تبدو هذه الأمثال أحادية في نظرتها الدونية إلى المرأة على العكس من المأثورات الشعبية الأخرى ؟

إن في أحادية هذه الأمثال ما يشكك في قدرتها على تمثيل الذهنية الجماعية بتنوعها وثرائها . ولعل من المفيد في هذا السياق أن ننظر إلى ميل الذاكرة الجماعية التونسية بوجهيها الشعبي والعالم إلى تأنيث البطولة ’ في لحظات مفصلية رئيسية : فتأسيس قرطاج ينسب إلى امرأة (هي عليسة ) والدفاع عن البلاد في وجه الفتوحات الأولى ينسب إلى امرأة هي (الكاهنة ) والسيرة الهلالية تنسب بطولتها في تونس إلى امرأة هي (الجازية الهلالية ) . نقف على الظاهرة نفسها في حكاياتنا الشعبية . فقد أشار الناصر البقلوطي في كتابه " مقولات  في التراث الشعبي " (تبر الزمان 2005) إلى نمطين للحكايات الخرافية التونسية تبدو من خلالهما المرأة في ثلاث صور . ولعل في ذلك ما يدل على أن مجتمعنا يعاني في تعامله مع المرأة مما يمكن أن نطلق عليه تسمية "ازدواج الشخصية الجماعية " فلماذا يبدو هذا الازدواج واضحا في تاريخنا المكتوب والشفهي في حين تبدو النظرة أحادية في أمثالنا العامية ؟

أغلب الظن أن هذه الأحادية ليست سوى ثمرة التدوين غير العلمي بما طاله من رقابة ذاتية وخارجية وانتقاء وإهمال واستبعاد بسبب مختلف أنواع الموانع .  ومن ثم نحن أمام رصيد معين ومجزوء من الأمثال ’رواه إخباريون معينون وقام بجمعه أشخاص  لهم خلفيات معينة . ولعل من مزايا هذا الكتاب انه  يزيدنا وعيا بضرورة العمل الميداني العلمي لجمع هذا المأثور الشعبي على سبيل الحصر لا الذكر بشكل يؤهله للدراسة والتحليل . ففي غياب ذلك لا يمكن للأحكام والاستنتاجات إلا أن تظل جزئية .

وبعد فإننا أمام كتاب لا يكتفي بسدّ ثغرة في مجال اهتمامه بل يحفّز إلى الاستزادة والى سلوك جديدة للبحث . ولعل للقراء معه من المسال ما لن يكون أقل مزاياه.

 

 

 

 

تعليقات