عادل خضر يكتب عن محمد المي

 


الوخز بالكتابة

خواطر حول كتاب "بين سطرين" لمحمّد المي

 

بقلم: العادل خضر*

لو جاز لنا أن ننسب الكتابة إلى آبائها الأصليّين ورموزها الأسطوريّة لوجب أن نستحضر هرمس بما هو مؤوّل ورسول ولصّ ومخادع بالكلام وتاجر وإله الكتابة أيضا، وهو نظير تحوت Thot ، إله الكتابة في الميثيولوجيّا المصريّة، وتووت Theut في محاورة الفيدروس الأفلاطونيّة. ولكنّنا نريد أن ننسب الكتابة إلى آلهة المكان في الميثيولوجيا الرّومانيّة. فجوبيتير(سيّد اليوم المنير) إله الكهنة يؤسّس المعبد Templum عندما يرسم الحدّ الفاصل بين ما هو دنيويّ وما هو مقدّس. على إثره يدمّر مارس إله الحرب المعبد ويخرّبه ويضع بدله المخيّم Campus، الّذي سيتحوّل إلى حديقة Hortus حين يحلّ فيها كيرينوس  Quirinus  إله الإنتاج والفلاحة الّذي يكدح في الحقل  Pagus. فحصيلة المكان Locus الأخيرة هي الحقل الّذي كان يغيّر من أسمائه كلّما تغيّر اسم من كان يحلّ فيه: الكاهن فالمحارب ثمّ الفلاّح. ويشترك ثلاثتهم في اقتراف الإقصاء الّذي يتّخذ مظاهر التّطهير والدّفاع والشّغل الزّراعي Culture. ويعلّق ميشال سير  Serresعلى مظاهر الإقصاء بقوله: " نقول table rase عن هذه الأماكن دون أن نتذكّر أنّ هذه العبارة تصوّر حركة الكاتب الّذي يمحو araser لوحته، مبعدا كلّ أثر آخر قبل أن يسطّر خطوط حرث حروفه. تشير الصّفحة page البيضاء في لغاتنا، وهي مشتقّة من كلمة Pagus  نفسها، إلى فضاء من شمع أو ورق برديّ نشأت فيه الكتابة..." ([1]).

لماذا التّذكير بشجرة أنساب الكتابة في هذا المقام؟

في اعتقادي أنّ كلّ كاتب مهما كان الاختصاص والمجال الّذي يكتب فيه هو أحد ثلاثة: إمّا أن يكون كاهنا يرسم بما يكتب حدود الحلال والحرام، والمندوب والمكروه، والواجب والممكن، والمعقول واللاّمعقول، أو أن يكون محاربا حارسا للحدود من العدوّ والغرباء، أو أن يكون فلاّحا، يهيّء الأرض، ويهب الحياة بالكلمة، أي بالسّلطة ـ Auctoritas, Autorité ـ وهي قوّة من أصل إلهي بها ينشأ الوجود وتجعل النّبت ينجم والشّيء كائنا.

أضع محمّد المي في الفرع الثّاني من شجرة أنساب الكتّاب. فهو كاتب جنديّ من أحفاد مارس إله الحرب وإن كان يكتب في "النّقد الثّقافي"، يقترف بسلاحه فعل الإقصاء مثل الفلاّح تماما الّذي يفتّت بسكّة المحراث كلّ شيء إلى غبار رقيق، ويقتلع كلّ الأعشاب الضّارة لتنقية المكان، كما يقترف بسلاحه فعل التّطهير مثل الكاهن تماما الّذي يحافظ على طهارة المكان برمي كلّ نجاسة خارج حدود المقدّس. فأن يكون الكاتب محاربا هو أن يقترف في الآن نفسه فِعليْ الإقصاء والتّطهير وأن يكتنز في شخصه صورة سلفه (الكاهن) وصورة خلفه (الفلاّح).

ولكن بأي ّ اعتبار انتمى محمّد المي إلى شجرة أنساب المحارب؟ أبم صرّح به في مقاله "هؤلاء ... مشكلة الثّقافة في تونس" لمّا قال: "هؤلاء هم مشكلة الثّقافة في تونس، هؤلاء يشكّلون خطرا حقيقيّا على الثّقافة والمثقّفين، ولا بدّ من التّصدّي لهم بكلّ حزم ودون خوف ودون تهيّب، لأنّ ذلك واجب وطنيّ لا يقلّ أهميّة عن واجب الجنديّ الّذي يحرس حدود البلاد..." ([2])؟ من الطّريف أن يظهر في هذه الفقرة لفظ الجنديّ الّذي يحرس الثّقافة من العدوّ الدّاخليّ الّذي شبّهه المي بالسّوس الّذي ينحر الخشب، و"الأرضة الّتي تقتات من أوراق الكتب" فهذه الصّور تؤكّد تداخل شجرة أنساب الكاتب: فهو جنديّ وحارس أوراق الحديقة من النّجاسات المدمّرة. ولكن كلّ هذا لا يكفي في نظري حتّى نعتبر المي منتميا إلى سلالة الجنود المحاربين. فحتّى يكون الجنديّ محاربا يحتاج إلى سلاح. فما هو سلاح المي؟

لنذكّر ببعض المعطيات الّتي لها علاقة بشجرة أنساب الكتّاب. كانت سكّة المحراث سبب تأسيس روما الأولى، إذ قتل رومولوس Romulus توأمه رموس Rémus في قعر خطّ الحرث. تستعمل نفس الشّفرة لضبط حدود الفضاء، وتقسيم الأرض، وفصل رأس الأخ المذبوح. هل يعني ذلك أنّ الكاتب حين يحمل سلاحه يقوم بما تقوم به سكّة المحراث، أي الحدّ والفصل والتّقسيم؟ نقول: نعم شرط أن يكون للكاتب أسلوب. ولكن ما معنى أن يكون للكاتب أسلوب؟ لا تفي العبارة العربيّة بالغرض، ذلك أنّ لفظ الأسلوب ـ كما جاء في اللّسان ـ يحيل في بعض معانيه وصيغه على الفلاحة. فإِسلوب، بكسر الهمزة، هو سطر من النّخيل، ولكنّه لا يحيل على صورة المحارب إلاّ في مقابله الفرنسيّ (Style). فمن دلالات (Style)، نجد، إضافة إلى ما له صلة بالبلاغة والأسلوبيّة وتجويد العبارة وعمل الكتابة، الدّلالة التّالية. فقد جاء في معجم Le petit Robert أنّ من معاني (Style) المحسوسة ما يلي:

مثقب من حديد أو من عظام يصلح طرفه المدبّب للكتابة على لوحات من الشّمع، ويصلح طرفه الآخر المسطّح للمحو ([3]). ويحيل هذا التّعريف على لفظ (Stylet) وهي كلمة تعني الخنجر ذا الشّفرة الحادّة والذّؤابة المدبّبة. وعلاقة (Style) بـ(Stylet) قد أوجزها الكاتب الفرنسيّ موريس دانتاك Maurice G.Dantec في هذه العبارة: "لقد نسينا أنّ كلمة (Style) منحدرة من لفظ مرادف للخنجر. ينبغي أن نصطنع من الفرنسيّة لغة محارب، ولعبة مبارزة، وفنّا قتاليّا. فالكاتب قاتل" ([4]).

بم ينبغي أن نخرج من كلّ هذا الاستطراد؟ أينبغي أن نعتبر الكاتب هو من كان له (أسلوب/Style)، أي ذاك الّذي يكتب بخنجر ليقترف جريمة القتل، أم هو ذاك الّذي يكتب بخنجر لحراسة المكان (الوطن، الثّقافة...) من خطر العدوّ ؟

لنقل من الآن إنّ مقالات محمّد المي هي سلسلة من المعارك لحفظ المكان وحراسته. ولكن ما هو هذا المكان؟ ومن هم الأعداء؟

المكان هو تونس من شمالها إلى جنوبها، من بنزرت إلى دوز، من الجبال إلى الصّحراء وما بينهما. ما يحاول المي حراسته هو ذاكرة المكان الثّقافيّة. تسكن هذه الذّاكرة في الأرشيف، في وثائق صنّاع الثّقافة التّونسيّة الأحياء منهم والأموات. وهي ذاكرة متعدّدة الوجوه: مسرحيّة وموسيقيّة وأدبيّة وصحفيّة وتراثيّة. ذاكرة مهدّدة بالتّلف المادّيّ حينا بالنّسيان، وهو آفة العلم كما يقال، حينا آخر. في مقال "عشرينيّة البشير خريّف" يقول المي متحدّثا عن مصير المخطوط من أعمال البشير خريّف: " وأستغلّ هذه المناسبة لأروي ما حدّثني به الدّكتور محمود طرشونة عن أعمال هذا الرّجل المخطوطة وتحديدا أخصّ مسرحيّة سوق البلاط وطومبياس وسوق العطّارين... فهذه الكتب هي على ملك بيت الحكمة إلى يوم النّاس هذا، وهي لدى محمود طرشونة وليست في رفوف بيت الحكمة لأنّ هذا الأخير خاف عليها من التّلف والإهمال بعد أن وقع حلّ قسم تحقيق ونشر الأدب التّونسيّ ببيت الحكمة، وخيرا فعل، لأنّه لو تركها هناك لفعلت فيها الأرضة والرّطوبة ما فعلت [...] وربّما أتلفت تمام الإتلاف مثلما حدث للعديد من الكتب والرّوائع الّتي اختفت باختفاء الغيورين عليها. " (بين سطرين، ص17). ونجد الهاجس نفسه في مقالات أخرى عند المي نذكر على سبيل المثال "ليتني كنت موثّقا". ففي هذا المقال يروي المي ما تجشّمه من متاعب ونفقات في سبيل تجميع الوثائق الّتي مكّنته من تأليف كتابه عن المرحوم محمّد صالح المهيدي. يتجلّى هاجس الذّاكرة في آخر المقال حين يقول: "ومع ذلك فإنّي أرجو أن يوفّقني الله وأصبح موثّقا ملمّا بتاريخ بلادي وأعلامها وعارفا بدقائق الأمور وتفاصيلها ناهجا درب المؤرّخ التّونسيّ الكبير حسن حسني عبد الوهّاب الّذي قال: من تعلّم التّاريخ ضمّ إلى عمره أعمارا" وهذه مقولة لا يفقهها إلاّ من وطّن نفسه على معاشرة الكتب والمجلاّت والجرائد وعرك نفسه وعلّمها الصّبر على تحمّل البحث والتّنقيب والغوص فيما لا يهمّ حتّى الحصول على ما يهمّ كما يقول المرحوم سعد غراب" (بين سطرين، ص49). ويمكن أن نضيف أمثلة أخرى كـ"ذاكرتنا المسرحيّة والموسيقيّة" (بين سطرين، ص.ص62-63) أو"الأسماء التّراثيّة" (بين سطرين، ص.ص116-117)، أو"معجم الأسماء المستعارة" (بين سطرين، ص.ص124-125) وغير ذلك من المقالات الّتي تظهر خوف المي من هذا التّلف الّذي يمكن أن يصيب مرتكزات الذّاكرة المادّيّة والبشريّة. ولا يقف شأن الذّاكرة مع المي عند هذا الحدّ. فالذّاكرة عنده أمكنة وبشر، أو بلاد وعباد كما شاع في أدب الرّحلة.

في خصوص ذاكرة المكان نكتفي بذكر عناوين بعض المقالات كـ"دوز...ذاكرته" (بين سطرين، ص.ص52-53)، وهو تعليق لطيف على كتاب نورالدين بالطّيّب "دوز...ذاكرتي"، أو "أماكن لها تاريخ" (بين سطرين، ص.ص110-111)، أو "بيت البنّاني" (بين سطرين، ص.ص112-113)، أو "شوارعنا الغامضة" (بين سطرين، ص.ص 114-115)، أو "نحو مقبرة وطنيّة" (بين سطرين، ص.ص122-123). في هذه المقالات تمارس الكتابة عند محمّد المي ألم الوخز. فهو يكتب ليستفزّ ذاكرتنا النّائمة، ويستنفرها بذكر الأحداث النّادرة الّتي علقت بالمكان، أي الأحداث الّتي غيّرت مجرى من مجاري التّاريخ التّونسيّ الحديث. فبعد أن تحدّث المي عن مقهى البانكة العريانة الّذي كان يجلس فيه الطّاهر الحدّاد وكتب فيه كتابه الخطير "امرأتنا في الشّريعة والمجتمع"، أو مستودع النّجارة بنهج السيّدة عجولة وقد كان مقرّ مطبعة العرب الّتي أصدرت كتاب "العمّال التّونسيّون وظهور الحركة النّقابيّة" و"الخيال الشّعريّ عند العرب" ثمّ مستودع المخبزة الموجود بنهج سيدي منصور بباب الفلّة، الّذي كان مقرّ جامعة عموم العملة التوّنسيّين الّتي أسّسها محمّد علي الحامي سنة 1924 نراه يعلّق في هذا الشّأن بشيء من الاستفزاز قائلا: "وقلّة هم الّذين يعرفون تاريخ تلك الأماكن وعلاقتها بنهضتنا السّياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة والثّقافيّة [...] لذا نلتمس من سلط الإشراف بكلّ لطف توجيه العناية إلى مثل هذه الأماكن الّتي لها تاريخ عريق ومجيد وذلك بوضع رخامة على كلّ معلم يشير في عبارات قليلة إلى تاريخيّة تلك المعالم بعد أن عجزنا عن تحويلها إلى متاحف" (بين سطرين، ص111).

أمّا في خصوص ذاكرة العباد فإنّ المي يثير بعفويّته إشكالا كبيرا اصطلح على تسميته عند المعتنين بالكتابة التّاريخيّة بواجب الذّاكرة Le devoir de la mémoire. وهو إشكال معقّد له صلات وثيقة بعمل الذّاكرة وعمل الحداد وتقنية التّذكّر، بيد أنّ الّذي يعنينا منه هو علاقة واجب الذّاكرة بالعدالة. فعندما يتحدّث المي عن " مسرح بن كاملة " أو " الدّكتور الطّاهر الخميري " أو "محمّد العريبي الّذي نسيناه " أو " البشير خريّف " أو "عبد العزيز بن يوسف المربّي والمثقّف" فهو يتحدّث، عن عِلم أو دون علم، عن العدالة بوصفها الفضيلة الوحيدة الّتي تولي عنايتها للغير، بل هي الفضيلة الّتي تمثّل مكوّن الغيريّة في سائر الفضائل. فواجب الذّاكرة هو واجب إنصاف ذات أخرى غير ذاتنا بواسطة التّذكّر والذّكرى. يذكّر المي بهذا الواجب في مقال "العريبي الّذي نسيناه" قائلا: "إنّ لأعلامنا علينا واجبات عديدة وبإحياء تراثهم والتّذكير بإنجازاتهم نعلي من شأن ذاكرتنا ونكشف عن مخزوننا الثّقافي والحضاري. وأمثال العريبي كثر، وكلّ واحد منهم ينتظر منّا الكثير الكثير ... توفّي العريبي في 26 ديسمبر 1946، والخوف كلّ الخوف أن يقبل علينا ديسمبر القادم ونواجه العريبي بمثل ما واجهناه سابقا. " (بين سطرين، ص15).

ويرتبط هذا الواجب بمسألة أخرى تتعلّق بالدّين La dette. وهي مسألة لها أوثق الصّلات بالميراث، ذلك أنّنا مدينون لمن سبقنا بقسط ممّا ننعم به، وبفضله صرنا على النّحو الّذي به صرنا. هذا الدّين يذكّر به المي في مقال" عبد العزيز بن يوسف المربّي والمثقّف " ففي معرض حديثه عن الرّجل، نراه يقول: "إنّ للبنزرتيّين دَيْنا في أعناقهم لهذا الرّجل، فلا أقلّ من ان تهبّ الجهات الثّقافيّة بها لتكريمه، ومبادلته كرم التّعريف برموزها بكرم الاعتناء والتّبجيل [...] وإنّنا مهما كتبنا ومهما قلنا لإيفاء حقّ الرّجل فإنّ ديونه علينا أكثر." (بين سطرين، ص21). وبهذا الإقرار النّبيل تتّضح ملامح الذّاكرة في مقالات المي، فإذا هي ذاكرة مهدّدة بتلف أرشيفها الّذي أودعت فيه، ومهدّدة بنسيان المكان الّذي نشأت فيه، ومهدّدة بنكران الإنسان لكلّ دين عليه تجاه من منحوه هبة الوجود. وفي جميع هذه الصّور يبدو المي في صورة جنديّ نذر نفسه لحراسة الذّاكرة من كلّ الآفات، وقد اقتضى منه ذلك أن يجوّد أسلحته في كلّ المعارك الّتي خاضها. فالمقالة أحببنا أم كرهنا فنّ حربيّ، خصوصا إذا كان مجالها النّقد الثّقافيّ. علينا أن نستحضر في هذا السّياق تعريفا للثّقافة بما هي خلق مستمرّ للعدوّ وابتداع له في صور شتّى. والعدوّ الّذي يقاومه المي في مقالاته ويحاربه متلوّن. فهو تارة نكراننا لكلّ دَيْن، أو نسياننا، وقصور همّتنا وصمتنا القاتل، وطورا هو أرضة وسوس ينخر الأرشيف ويتلف الوثائق، وأحيانا هو نماذج من البشر، بعضهم من الأدعياء، وبعضهم الآخر من الجهّال المركّبين والمثقّفين المزيّفين والشّعراء الفالصو، والكذّابين ممّن يجيد المدح والهجاء ومتعهّدي النّدوات والمحاضرات، كلّ هؤلاء يمثّلون عند المي ظاهرة الرّداءة وثقافة التّهميش وتهميش الثّقافة. لننصت إليه وهو يدقّ ناقوس الخطر: " ولكنّي أقول الحذر! الحذر! إنّ تهميش الثّقافة وثقافة التّهميش تبدأ بمثل هذه المظاهر البسيطة فكلّ الأشياء أوّلها هزل وآخرها جدّ، وأوّل الغيث قطرة، ومن يضحك اليوم يقضم البنان غدا [...] أفنسمح لمثل هذه الأعشاب الطّفيليّة أن تنهب الماء من الكلإ الصّالح؟ المسؤوليّة في اعتقادي مسؤوليّة الجميع. والسّكوت عنها (كذا) مؤامرة على الثّقافة التّونسيّة الحقّ الّتي نريد." (بين سطرين، ص41).

ولا تقف معارك المي عند هؤلاء، فهي تشمل المؤسّسات الكبرى كالمؤسّسة الجامعيّة والمؤسّسة الثّقافيّة ممثّلة في اتّحاد الكتّاب التّونسيّين. ولا نرى فائدة في تحليل ما جاء فيها من مقالات فهي تخضع لنفس المنطق الحربيّ: التّطهير والإقصاء. ومهما كان العدوّ فإنّ هاجس المقالات يظلّ واحدا هو صيانة الثّقافة التّونسيّة بمقاومة كلّ الطّفيليّات وحثّ كلّ القوى الخلاّقة على توظيف إبداعهم الفكريّ في خدمتها. هذه الصّيانة تقتضي في كلّ مرّة أشكالا متنوّعة من التّطهير والإقصاء وخاصّة تجويد الأسلحة حتّى يكون الوخز بالكتابة كالوخز بالإبر الصّينيّة مؤلما ولكنّه يشفي.

 



* أستاذ جامعي.

[1] ميشال سير، أصول الهندسة، الدّار البيضاء، نشر الفنك، 1998، ص.ص37-39.

[2] محمّد المي، بين سطرين. مقالات في النّقد الثّقافي، تونس، الطّبعة الأولى، 2004، ص43. والإحالة عليه ستكون في المتن.

[3] «Poinçon de fer ou d'os, dont une extrémité, pointue, servait à écrire sur la cire des tablettes, et l'autre applatie, à effacer.»

[4] انظر، Maurice G.Dantec, Magazine littéraire, n°422 Juillet-Août 2003, p74. ، حيث يقول: «Nous avons oublié que le mot style venait d'un synoyme de poignard. Il faut refaire du français une langue de guerrier, un jeu d'escrime, un art martial. Un écrivain est un tueur. ». 

تعليقات