ماذا يطلبون من دور الثقافة؟

 

ورقة موجزة لتاريخ غير موجز

 

دور الثقافة. بين المؤسسات العمومية ذاتالمهام الثقافية، وبين المأويالسياسية للمشكلات الاجتماعية والصحية؟

 

تصدير: يقول قوبلز وزير الدعاية الألماني زمن حكم الفوهرر والحزب النازي بألمانيا "...إذا استمعت الى لفظ ثقافة، اتحسس مسدسي."

 

في بداية تركيز اساسيات الدولة الوطنية ابان الاستقلال، برزت على الساحة مشكلات الهوية والذاتية التونسيةومشكلات الثقافةالوطنية، مثلما ما كان تقريبا في جل المستعمرات الافريقية التي نالت استقلالها حديثا، فتأسست بذلك هياكل رسمية تعنى بالثقافة، وكان من أولها تأسيس كتابة الدولة للثقافة والاخبار بتونس سنة 1961، هذه المؤسسة وليدة البناء الوطني الحديث كان لها ارتباطا عميقا برسائل الدولة حديثة الاستقلال في توجهاتها وخطاباتها نحو شعبها و مختلف الحساسيات الاجتماعية و الثقافية  و السياسية التي لازلت ترابط هناك و لو الى حين .

وبداية من 1964 وتزامنا مع تغير سياسات الدولة نحو التجربة الاشتراكية، تأسست اللجنة الثقافية القومية وتأسست تباعا دور الشعب والثقافة كما كانت تسمى في تلك الحقبة، ربما اسوة بالنموذج الستاليني خاصة من حيث عظمة المنشاة واتساعها و علاقتها بالجماهير المتعطشة دوما للخطابات السياسية الحماسية،فكانت هذه الدور، إضافة الى مهامها الثقافية، تلعب دور المسند الأساسي لخيارات الدولة الرئيسية في التعبئة و التحشيد و امتصاص اثر الازمات المتتالية، و لنا في تونس نماذج عدة في هذا الاطار ،حيث كانت تلك الدور تمثل في أواخر الستينات خاصة ،الملجأ من الفيضانات و المركز لتوزيع الإعانات،و كان ارتباطها بالسياسة اعمق من ارتباطها بالثقافة.

تطورت البنية التحتية لهاته الهياكل وتكونت بذلك الأنظمة والقوانين التشريعية وأصبحت لنا هياكل وزارية رسمية بدات بتركيز وزارة الشؤون الثقافية ثم وعيها بمسالة التراث الوطني وأخيرا وليس اخرا مدى تمثلها لمفهوم الترفيه ودمج الشباب بداية من أواخر التسعينات الى حدود النصف الأول من قرن الواحد والعشرين، وصولا الى وزارة تعنى بالثقافة لازالت تحسس اناملها في ان تكون وزارة سيادية خاصة بعد 2011 وان يكون لها القول الفصل في فصل المتطلبات الفنية والثقافية للمبدع عن الاكراهات الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية  للدولة.

 

ولكن، هل بتطور البنى التحتية والتشريعية لدور الثقافة منذ السبعينات الى يومنا الراهن، تطورت المهام، لاسيما مهامها التنويرية والتكوينية والحداثية داخل الدولة والمجتمع؟

ان المتأمل اليوم لواقع مؤسسات التنشيط الثقافي وعلاقتها بالفعل السياسي خاصة بعد 2011، يلحظ ومن الوهلة الأولى عدم تمثل ذلك السياسي للراهن الثقافي،وعليه استبيحت  مؤسسات العمل الثقافي مرة أخرى،ولكن بفوارق عدة عن زمن التأسيس ومتطلبات دولةالاستقلال، ففي الستينات، ربما لم يكن لدينا ذلك الحجم الهائل من الفئوية والسلكية والقطاعية فالكل خادم الكل، ولكن اليوم تجزا هذا الكل وأصبح لكل قطاع ذاتيته الخاصة التي تسمي الأسماء بمسمياتها و هنا ربما في سياق اخر سأتحدث عن ثنائية السلب و الايجاب  في هذه المسالة ، فكفانا سطوة لقطاع على اخر، و كفانا تداخلا بين مختلف القطاعات ،فالصحة لها مؤسساتها، و مراكز الحجر الصحي و نقاط التلاقيح لها مكانها و اطرها، و موسم الحج له اطره و فضائه، و مراكز التجنيد و الفرز أيضا لها فضاءاتها الخاصة  خارج الفضاء الثقافي العام  ، و الكوفيد حسب راي ، مكان علاجه المؤسسات الصحية و ليست المسارح و المنصات الثقافية و الفنية  و مقرات النوادي و حلقات التكوين  التي لازالت تصارع من اجل بث رسالتها النبيلة و التي لا تقل أهمية عن أي رسالة قطاعية أخرى داخل الدولة و المجتمع  ،ربما علينا ان نساند المجهود بالمقاربات الفنية و الثقافية و التي لاحت بعض  نتائجها اثناء الجائحة الأخيرة ، و لكن التقنية هي بلا منازع تبقى  صحية و المشكل صحي بالأساس، فارفعوا ايديكم عن المؤسسات الثقافية  .

 

أخيرا وليس اخرا، ربما عزائي بالقول، انه وقبل الحديث عن السياسات الثقافية وجب أولا تثقيف السياسي.

 

مولدي العنيزي ،باحث في التاريخ الثقافي و الاجتماعي المعاصر

تعليقات