تكرار الايقاع والمعنى في ( هذا صراخي فاتعظ )* ‏

تكرار الايقاع والمعنى  في ( هذا صراخي فاتعظ )* 

كتابة : سالم محسن 

منذ البداية وضع الشاعر منصور الريكان  خطابه على لافتة كبيرة ليقدم محمولاته في المجموعة الشعرية (هذا صراخي فاتعظ) التي أوشحت بمقاصده ومراميه وإنه قد اتخذ  مساراً واضحاً وصريحاً اتسمت به قصائده كما في هذه العناوين 

( هذا صراخي فاتعظ /البصار / هيا احذروا / عمومتي عقروا ناقتي / السيف / لنتظاهر ونقمع الفاسدين / صحوة محارب / تحية للشعب الطيب / حاجب الملك المعظم /في حضرة الإمام / الجلاس الرائعون / لقطات من بيتي / الاماني الضائعة / تداعيات مهاجر فقد ظله/ داعش والاشوريين / لماذا تركت الحصان وحيدا يا درويش / اللحظات / موال من التعب / ارهاب / الاوغاد / سوق التنك /صمت / في ذكرى رحيل أبي / إله الحرب ) مع ان بعض العناوين  تحيلنا الى اشارات ودلالات في منحى اخر مثل :( داعش والاشوريين /ارهاب /لنتظاهر ونقمع الفاسدين /صحوة محارب ) 

وهذا يدل على إن الشاعر وفضاءه غير محصور العوالم فهو يعري الملتبس من اليومي والمألوف  طيلة فترات زمنية متباعدة ، وبالنظر إلى تواريخ القصائد التي احتوتها  المجموعة ما بين 1983 الى  2017 ،فقد برزت في قصائد الشاعر مثل استخدام التكرار في بعده الفني والفكري للتعبير عن التوتر الحاصل ما بين الواقع والحلم مما يظهر بعض الخصائص وبشكل غير واع خلو الاسلوب من التزويق اللغوي ، أما من الجانب الايقاعي فنرى هيمنة الايقاع الخارجي ،فقد عكست ثيمات الشاعر معها سكونيتة القصيدة ، ومن أجل كشف هذه العلاقات بدقة سنختار واحدة من القصائد المهمة .
                          ( في ذكرى رحيل أبي) ص 93 

تعتبر هذه القصيدة من المرثيات ،وهي تنتمي أيضا لبناء قصائد المجموعة في تراكيب الجملة المتعددة ،ولم تختلف مع الأخريات سوى في الثيمة .

 يقوم  الشاعر بافراغ  مخزوناته على مستوى شعر المراثي ويتعدى كذلك على مستوى الايقاع الخارجي بتعدد القوافي (أواخر الكلمات في الجمل الصغيرة والكبيرة ) ومع استخدام الضمائر واستخدام تسكين الباء الانفجارية هو يعكس حالة السكون والتوقف ما يجعلها  تعكس جو القصيدة الاستفهامي الذي  يتعمق ليصبح حاداً ومحتدماً  . فقد هيمن على الايقاع  الخارجي استخدام الاحرف ( ن /ب /ع /ة /ت/ ي/ ق ) وإنها تقع مابين الجهورية والمهموسة لكن تسكينها من قبل الشاعر أصبغ عليها إيقاع يتلائم مع جو القصيدة ويتكثف ويتركز في هذه الجملة المكبوتة إيقاعياً (لكنت بنيت بيوت الورق ) ص 95 . 


اضافة إلى مجموعة من الكلمات مثل /نهار / كثار /عذاب  /الجواب /تستمع  /متسع  /البدع  /مذلة  /مسلة / تدعي /الرجوع/ الجوع / القلب/ درب / بيت /مسارب  /اب  /هرب /المغني  /حزني /انجبت /غضب /ذنوب /قلب /هزني  /حاصرني /المهب /حضرتك /تعاودني /الورق /ارق/ تعتنق /النهار /كثار /جلنار /ذنوبك /عيوبك /تفتري /ينبري (ما ينبري ) /الصالحين/ العاثرين / لا تبين  صابرين / يحين /نكون/ الحنون /لائذون /العيون / الحاضرون / حضننا/ لنا / حزنها/ لونها الرماد /العباد ، علماً بأن معظم هذه الكلمات في آخر حركة فيها ساكنة ،أما في تراكيب الجملة اللغوية الذي تعكسه قلق اللحظة وهي كالتالي :( تداهمني / للقاع اهبط /رسمت تصاوير قلبي وذقت العذاب / علام ايها القلب تتكئ / النوادر حتى حكايتك من فطنة تستمع / قلت تسورني ذهبا وتحفظني في مسلة/ البلابل هجت وما عاد خيط الرجوع / انه الجوع / ايه من داخلي قد هرب/ اه من وجعي لحظة جاءنا المغني / وغاص بندبي وحاصرني / أنا ميت من زمان / ولو لحظة تعاودني وترسم انفاسك اللاهثات لكنت بنيت بيوت الورق  ايه يا نجمة الصبح هل أستريح ؟/ وكل الذي نقوله مثلما كلام الليالي ويمحوه النهار / غفرنا ذنوبك / نسينا عيوبك / فمن اي جيل نكون / ابي هكذا تدق المسافات جرحي وينكرني الحاضرون / ليتنا معا / رسمنا جراح البنفسج فوق الشفاه التي يلونها الحب قل لي ماذا تخبئه الفاختة /ايه يا سادن الظل ان الوجوه مهادنة انكرت حزنها / أبي لا يغادر صحوتي واني أعيش الرماد / ايه ايها الاب كم غرفوا حزنك وانت تلوب لتروي لأبنائك مكر السلاحف والغائصين /  سلام على حضرة الريح مهما تكون / هل لنا نغوص وندفن احقادنا/ للحيرة معنى ولا نعرف ما الذي يريده الابن من ابيه / أيها الاب الذي داس ضلع التراجع اشتهيه / سلام عليك سلام . فان هذه القصيدة تتكأ على قوة اللفظ و التعبير لمعادلة الشعور والاحساس بالفقد والخسارة.

أنواع التكرار .

تقوم فكرة التكرار على استخدام صوت الحرف واصداءه في الكلمة ،وهنا يبرز عدد الاستخدامات والمسافات لصوت الحرف بين جملة وأخرى ،خاصة وأن في قصيدة النثر سيكون هذا مؤثر على الايقاع الداخلي للقصيدة ،والبعض من الشعراء يستخدم حتى الايقاع الخارجي (أواخر الكلمة في الجملة ) وهذا التكرار بما يملك من عدد  من أصوات في القصيدة سيؤثر بالتالي على ثيمة القصيدة ، فأن استخدامات شاعرنا في هذه القصيدة عكست الشعور والحس المتماثل لتساؤلات الشاعر الوجودية في هذه المرثية ،فقد جاء التكرار في سياقه باستخدام الشاعر في بداية القصيدة للجملة الفعلية ( كلما تداهمني اللحظة المرة ) ثم تتوالى تأثيرات هذه الجملة الفعلية  وغيرها من الجمل الاخرى مثل : الاسمية والاستفهامية وواو العطف والادوات ،أما في وسط القصيدة يستخدم الشاعر (انه /آه /ايه ) للتواصل مع اللحظة التي تداهمه ) مع أداوت الاستفهام (هل / من / قل لي / هكذا / فمن / متى / علام / والنفي والاثبات ،وفي النهاية يستخدم (سلام ) لأربع مرات ،وهي خاتمة جادة تجعل النص متماسك البناء عبر عدد من  الافكار داخل موضوع  مركزي وأن جميع هذه الالفاظ والتفوهات تشير الى أن التكرار في المعنى والمبني يريد التأكيد على حضورهما في اللحظة وهي التي دفعت بهذه  العلاقات  المتوترة نحو الخروج من منطقة الهامش ليقول للأخر جميع ما كتب من  قصائده في (هذا صراخي فاتعظ ) .  

* (هذا صراخي فاتعظ) مجموعة شعرية من اصدارات اتحاد الادباء والكتاب في البصرة لعام 2019 .

تعليقات