ما ‏قدمته ‏نجاة ‏الذهبي ‏بيديها

بقلم : محمد المي

تعد الفنانة التشكيلية نجاة الذهبي من الجيل الجديد الذي يشق طريقه بثبات وبرؤية واضحة ، محددة أهدافها وتسعى الى تطوير تجربتها الفنية وما يميزها عن سائر ابناء جيلها أنها تمارس الكتابة النقدية .

من شأن الكتابة أن تعلم الكاتب التوقف عند نقاط القوة والضغف في اعمال الآخرين فاذا مارس هذا مع الآخرين فانه يكون صعبا مع نفسه فيسعى إلى تطوير نفسه وهذا ما لمسته من خلال متابعتي لما تقدمه نجاة الذهبي.

في المعرض الأخير الذي يقام حاليا بفضاء كاليستي بسكرة قدمت الفنانة معرضا شخصيا تعددت أعماله وتنوعت من حيث الاحجام والتقنيات المستخدمة وتراوحت أسعار اللوحات من 400د إلى 9000د . 

عنوان المعرض : دياري 

الكولاج هوالطاغي على الأعمال المعروضة عكس أعمالها الأولى التي كانت تقتصر فيها على التصوير والتلوين مستعرضة أجسام الرياضيين وعضلاتهم المفتولة مصورة اياهم بصدد العدو والحركة ...معرضها الحالي شهد نقلة نوعية دلت على تطور التجربة وتغير نظرة الفنانة .
حضور المرأة

في أعمالها الجديدة هناك حضور بارز للمرأة التي حضرت في وضعيات مختلفة فيها التحدي وفيها اللامبالاة وفيها نظرة التجاوز وعدم الاكتراث في حين تراجعت صورة الرجل عكس أعمالها القديمة .

ربما مرت الفنانة من وضع انهزامي سيطرت فيه على نظرتها للكون عقلية ذكورية تستبطنها فتجاوزتها في عملها الجديد إلى احتفاء مبالغ فيه بالمرأة وبالذات على وجه التحديد برز من خلال تجربة عرض كنشات الذاكرة أو كراسات فيها مشهد احتفالي بالذاكرة وبالماضي وبالمراة وبالذات تحديدا .

والحق ان المعرض يمكن تقسيمه الى جزئين كبيرين : الجزء الذي فيه لوحات الكولاج والجزء المنتمي الى مايسمى بالفن المعاصر .

لوحات الكولاج

في هذه اللوحات التي استخمت فيها الفنانة تقنية التلصيق تنوعت مواضيع لوحاتها ظاهرا ولكنها تجانست وتألفت واتسقت في مجملها حتى لكأنها لوحة واحدة متعددة تشظت وتفرقت في جزيئات كالارخبيل الذي يجمع جزرا متعددة .

في هذه اللوحات ابانة واضحة عن قدرة التلصيق والتلوين والرسم في أن واحد اذ حضرت شخوص رجالية تذكر ببعض شخوص لوحاتها القديمة وكأن صورة نمطية للرجل في ذهنها تأبى التبدل وفي المقابل صورة لامرأة تطغى على صور الرجال المختلفين والمتعددين .

أشخاص في جيئة وذهاب مع أجزاء مخيفة من أجسامهم بألوان فاترة هادئة مستكينة  تعبر عن فوضى الواقع وتشتت الإنسان وضياعه ...كل في وجهته وكل ينقص من كله مابه يكون كلا .

في تجربتها القديمة كانت نجاة الذهبي تميل إلى الألوان الداكنة وهو ما لم يحضر بقوة في هذا المعرض . خارطة الألوان تبدلت نحو ألوان جديدة تعكس تفاعلا مختلفا على جسم الخامة .

هذا ما قدمته يدي

ما يلفت الانتباه في هذه اللوحات تكرر يد ممدوة تخرج من حين إلى آخر في وضعيات مختلفة : أليفة ومخيفة ، ماسكة وقاذفة ممدوة وخاطفة ...حركات متنوعة تشي بمواقف بل ان هذه اليد في احيان تطغى على صور أخرى فتتضاءل بقية الأجسام أمامها حتى انك تبحث رغما عنك دلالات ومعاني اليد التي ذكرت في القرآن بمعان متعددة : 
  • فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ  ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿٧٩ البقرة﴾
  • وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ  وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٩٥ البقرة﴾
  • فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ  ﴿٩٧ البقرة﴾
  • وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا  إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴿١٩٥ البقرة﴾

وفي الأحلام بوصفها انعكاسا لاوعيا للواقع ومجالا لتحقيق مكبوت يصعب تحقيقه في الواقع فان معانيها حسب بعض مفسري الأحلام : 
  • تفسير حلم اليد بحسب النابلسي: هي في المنام إحسان الرجل وظهره وسنده، فمن رأى أن يده طالت وقويت وكان والياً فهو ظفره بأعدائه، وقوة أعوانه، وقواده. ومن رأى أن يديه مبسوطتان فإنه رجل سخي ينفق كل ما له. ... ومن رأى أنه فقد إحدى يديه دل ذلك على فقدانه بعض من دلت تلك اليد عليه...الخ .
ليس هذا الحضور اعتباطيا ولا يمكن له ان يكون كذلك فدلالته مختلفة ومتباينة ولكنها حمالة لرؤية مخصوصة تؤكد موقفا تستبطنه الفنانة وهي تقد عملها قدا وتعرضه على الملأ حمالا لرسالة مشفرة تلمح ولا تصرح وتشي ولا تنبس الا بما يتيحه التأويل.

أكتفي بهذا العرض السريع أخذت المعرض الذي ادعو الى زيارته ومشاهدته ومحاولة فك شيفراته لتحقيق متعة القراءة البصرية ولذه نص محكم الاغلاق.

تعليقات