الجملة الشعرية المغايرة (في أطيافهم تطارد طفولتك)* ‏

الجملة الشعرية المغايرة (في أطيافهم تطارد طفولتك)* 
كتابة: سالم محسن
* - *
 المشهد الشعري البصري متنوع وغني وثري ..فيه المختلف والمتشابه ،وأن أكثر ما يميز الكتابة الإبداعية هو الفرادة ،وهذا لا يأتي من دون جهد واِهتمام وأناة ، فالبحث عن الشكل والمضمون الذي يمثل المبدع يتمخض عن استقراء المنجز المتداول وهو يعبر عن مغامرة استثنائية لأن التأسيس على أشياء ملموسة ومادية تعكس أسئلة تعتمل في أفكار الرائي ،فهو ليس بالكاتب الذي يقرأ ثم يكتب ويقرأ ثم يكتب ،بل هو يقرأ ويقرأ ويقرأ ..ثم يكتب ،وأن النظرة الباحثة عن الندرة هي قبل أن تكون في مجالها الأدبي إنما هي نظرة إلى الحياة ،ولا نذهب بعيداُ اذاما قلنا بان هذه الندرة لم تأتِ وليدة المصادفة فهي حاضنة طباع مجموعة من الأنساق والاكتساب، وهذا يلتقي في سياقه التاريخي مع رهط من أصحاب الندرة، وعندما نصل إلى هذه القراءة لفهم النتاج الأدبي فإننا قد أضأنا جانباُ مهماُ تكتمل فيه التشوفات في المكان والزمان المحددين، ولما كانت اللغة هي الجذور والشجرة التي نراكم عليها المعرفة وأسطحها الجمالية ومواقفنا، فإنّ ما يحتويه إصدار الشاعر من استخدامات الصورة الشعرية والثيمات التعتيم والتبويب فهو يعكس مجموعة من المهيمنات، وإن هذا يحقق المغايرة في إضافة الجديد إلى نظرتنا للشعر وهو يأخذنا إلى مناطق تأمل عميقة في الملموس المحسوس لدى الإنسان وعلاقاته بالأخر، فنرى الجملة الشعرية وهي تمزج المعرفة بالمهارة الذاتية وبالسيسيو ثقافي معلنةً عن نتاجها في اللحظة التي يختارها الكاتب هي لحظة الموائمة الظرفية مع الخارجي لتعكسها الجملة الشعرية بتنوعها الإشاراتي والدلالي ليختار له ما يناسبه من جوّ شعريّ إضافة إلى موسيقى الكلمة وإيقاعها وعلاقتها مع الكلمات الأخر ضمن الصورة الشعرية . فقد قطع الشعر الحديث في هذا المضمار شوطاً كبيراً خاصة في قصيدة النثر فقد أولى أهمية لكون الشعر الحديث والجديد مبني على فكرة الإضافة والتجديد وليس على التكرار والإعادة ،وقد حقق شاعرنا هنا واحدة من المهمات الأساسية لعملية المغايرة، وإن الدليل عليها يخضع لمعايير وقياسات ما هو منجز في هذا الحقل وإيجاد الفارق بين القديم والجديد في لحظة التوهج .فهو يستخدم قاموس المفردات في ظلّ هذه البحث المعرفي والجمالي عمّا يتلاءم مع الذات وعكسها في نتاج إبداعي وعبر هذه الإرهاصات التي استغرقت عقوداً من الزمن فلابدّ من أن تأخذ التجربة الشعرية أسلوبها الخاص في التعامل مع المهيمنات الخارجية (اللغة) وللوقوف على خصائص التفرد فإنّ التراكيب اللغوية في الجملة الشعرية هي واحدة من المفاتيح التي تقودنا إلى تحليل النصّ، وهو يختار قاموس المفردات الذي يقع ضمن نسق تجربته كما في : ( يمطق /مدقوقة سطول / عقفة /الأعيط /الضحضاح / الشخير / مياسة/ خنازير / وليفها / لا تهش/ ولا تكش/ لقيلقاتها /مرحاض / مصيدته /عين الشمس / المختار الأول والثاني / عصاه / الأعمى /المتشكل / قصيرة التراب / الطويلة الركض / قمر النواعير/ الممصوص/ فحماء/ الأفحم /الوغواغات/ النفّاش / الحالوب/ نجمة داوود /  دافئ الكفّ / مغرب التراب / تراب ينبح / يلبط / البارياء /قماط / مسكونة/ كوفية سوداء / عمامة سوداء/ سدارة / أعرجها / ذروق الفأر/ المحدودب الدرب / سروال / دمعة التمر/ دكان / مسبحة الحرمل / نائص غيمات/ بق/ يبغبغ /بلعومه / خرفان / عصا /مسلول /قفة / يقدح / جزر/ سلحفاة / الصنوج / يكرع /يرطن /ماءه اللاثغ) ،إضافة إلى ذلك فإنّ تعتيم المشهد هو أداة من أدوات الكتابة وهو نوع أخر من التشفير يريد الشاعر أن يربك منظومة المفاهيم والقيم الذوقية والجمالية لدينا . إننا نتداول الشعر الذين يجري مع مجرى الكلام فالكثير من الشعراء يكتبون ضمن هذا النسق والشاعر مستثنى من هذه القاعدة، فالشاعر يعمل في مشغل تجريدي وقد مارس لعبة التبويب لديوانه من الصفحة 5 إلى ص 8 ثم دعانا إلى قراءة متعددة (زوايا المرآة ) من صفحة 9إلى ص 10 ، وقد ترك ص 88 فارغة مستخدماً بياض الصفحة أو الفضاء ليكمل المملوء السابق من الصفحات ويشكل الرقم 10 في مجموعته الشعرية واحدة من المهيمنات على الكاتب والقارئ على حد سواء فنجد لكل رقم مقطع شعري فارق مع رقم الصفحة 10رقم مطلق وهو رقم لا يُستخدم اعتباطاً، فعلى القارئ أن يتمعن ملياً، وبدون هذه التأويلات لا يستهدي إلى مفاتيح النص، أما في المهيمنات الداخلية (هو / هي ) فهي تتشكل خطان متوازيان لحضور يكافح الغياب في مضامين النص ما يجعل الشاعر يستعيد طفولته السابحة في الذاكرة ( سيرة ) فقد ورد ذكر الضميرين ( هو / هي ) في أكثر من مرة ،وإنّ تكرارهما يعبر عن حركة موتيفات شعرية في داخل سيناريو نص محدد في زمن معين يجيز لنا أن نقول بأنّ هذه القصيدة أراد الشاعر أن يحتفي بهذا الغياب اللذيذ في محل الرثاء ( نص الغياب / هو وهي) على وفق مفهوم جديد ليس بالتقليدي عبر تعميقه متوالية الأسئلة والإجابات حتى السخرية باستخدام الإشارات اللاذعة التي تعكس مصير الكائن المجهول .
• اطيافهم تطارد طفولتك .  دار أمل الجديدة 2021 . سورية – دمشق .

تعليقات