وداعا متأخرا صديقي ‏محمد ‏علي ‏السعدي

بقلم: محمد المي

توفي صديقي الفنان محمد علي السعدي وأنا في غمرة الاعداد للدورة الثالثة للمعرض الوطني للكتاب التونسي فلم يكن من حظه ألا بعض دموعي يوم دفنه بمقبرة قرطاج محمد علي .

ومن عادتي أن أكتب عن أصدقائي فأحسست كأن دينا في رقبتي تجاهه وها قد حانت الفرصة لأخلص نفسي من هذا العبء .

كنا نجتمع أكثر من مرة في الأسبوع في رواقه أنا وكمال بن وناس ولسعد بن سليمان  ولطفي وأحيانا رضا بن جميع ولطفي وسجير واصدقاء أخر ..انضمت الى جلساتنا ولكن بصفة غير منتظمة الروائية امال مختار وسنية الأخوة وسنية اسماعيل ..الخ. بل كنا نفكر في ناد فكري نتطارح فيه قضايا الثقافة التونسية .
كنا نختم جلساتنا شبه اليومية فيودعنا محمد علي السعدي بقوله : " عودوا أنا في انتظاركم... أنا حارس المعبد " فنضحك ويضحك ونفترق . وكانت الدنيا تضحك علينا وعلى اعتقادنا الساذج . 
كانت مشاريعه كثيرة واحلامه أكبر من امكانياته ولا يعرف لليأس سبيلا فقد كان يقيم المعارض دون انتظار للجنة الشراءات عكس العديد من أصحاب الأروقة الذين لا يقيمون معارض إلا اذا علموا بموعد خروج اللجنة .
كان يقيم المعارض في الصيف ويكاد الوحيد الذي يغامر في شهر أوت ( عيد المرأة)  والعديد من المناسبات لأنه يعول على الخواص ودفتر علاقاته الشخصية بالسفراء ورجال الأعمال وهواة الفن التشكيلي والبرجوازيين الجدد من الذين يريدون ان يبنوا لأنفسهم مجدا فنيا ...

كان يراهن على الاسماء الجديدة ويشجعها ويعطي الفرصة لكل من يلمس في نفسه القدرة على الاضافة ..صادف مرة ان كنت معه في الرواق ودخل علينا شاب في مقتبل العمر ( حوالي 20 عاما) بعد أن وقف امام الرواق يتفرس الة البيانو الموجودة في مدخل الرواق وطلب من السعدي ان يسمح له بالعزف ودون أن يسأله عن اصله وفصله قال له تفضل اسمعنا ما تشاء ...شرع الشاب في النقر مترنما وكان واضحا أنه يتلمس خطواته الأولى فلما انهى صفقنا له تشجيعا .  شكر الشاب السعدي قبل الخروج فقال له السعدي مرحبا بك متى تشاء لزيادة التمرن 
سألت السعدي: هل تعرف الفتى؟ قال : لا 
قلت : لم فعلت معه ذلك ؟ وفتحت له الباب في المستقبل؟ 
قال : هو موهوب ويبحث عن فرصة للتعلم وما ضرني لو جاء يوميا ليطربنا ويتعلم؟
هكذا هو السعدي .
مهووس بالتصوير وبالصورة الفوتوغرافية ويحتفظ بأرشيف كبير من صور المعالم والاعلام والأحداث الثقافية داخل تونس وخارجها  وله مايكون متحفا للصورة الفوتوغرافية . وعديدة هي الكتب الفنية الفاخرة التي أعد صورها مثل كتاب يحيى التركي وكتب حول السياحة .
اختص محمد علي السعدي في الصور البريدية وانتج منها عشرات الالاف التي كانت تباع في الأسواق وفي المتاحف والاماكن السياحية وللصورة البريدية خصوصية تختلف بها عن الصورة الفوتوغرافية وقد مكنني رحمه الله من المئات من تلك الصور البريدية لأنه تفطن إلى ادراكي لقيمتها التاريخية . كما اهداني حامل صور لعلي بلاغة وحسن الصوفي وهما في حكم " الكتب النادرة " اليوم .
كانت وضعيته المالية هشة للغاية ولولا بعض اصدقائه وابرزهم لسعد بن سليمان لما تمكن من انجاز العديد مما كان يعجز عن انجازه .
كان يتعاطى أدوية غير موجودة في تونس تأتي خصيصا من فرنسا وكان يستعمل الات لقيس الضغط ونسبة السكر في الدم ودقات القلب واذا فكر في الاكل فانه يفكر اولا في القطط التي تنتظره خلف الرواق .
اقام عدة معارض فردية وجماعية شارك فيها كفنان فوتوغرافي واخرها لوحة حروفية على البلاستيك كتب عليها كلمة " فنون " ولها واجهتان امامية وخلفية اكتشفت اللجنة أنها مكسورة الأطراف فرفضت شراءها وقبلها اعد تمثال ابن خلدون مستعيدا نفس تمثال شارع بورقيبة ولكنه يحتوي على باب اذا فتحته تجد به خزانة كتب . كان ينوي عرضه في المعرض الوطني للكتاب التونسي وقد ابديت موافقتي له وكان ينوي أن يقيم حفلات توقيع لكتب الفنانين .
عرض على وكالة احياء التراث شراء مخزونه من الصور وقد ساعده محمد الحشيشة على ذلك غير ان مماطلة الادارة التونسية حالت دون إنقاذ جزء من ذاكرة بصرية لفنان تونسي .
رحم الله صديقنا السعدي

تعليقات