مع علالة بحثا عن رأس الضأن 2


بقلم : محمد المي

امتطينا أول سيارة أجرة كانت قاصدة القيروان ولم نكترث برائحة  المازوط المتسرب إلى انوفنا ولا إلى صخب مرافقينا من الركاب ولا صوت الراديو المسجل  فقد كانت فرصة علالة ليستفرد بي ويقرأ لي اشعاره المنشورة وغير المنشورة بل كان يتعمد إثارة انتباه مرافقينا عله يظفر بجمهور أكبر يسمع شدوه

كان علالة يقرأ السطر الشعري ثم يعيد قراءته ليفسره لي أو ليسألني 
عن فهمي من عدمه 

لقد كان علي أن أنصت إليه  انصاتا جيدا وهو الآخر يطلب مديحا وأحياناً يسألني عن مدى توفقه من عدمه في اختيار كلمة أو تشبيه أو استعارة 

وكان في الوقت نفسه يقارن ما يكتب بما يكتبه غيره سواء محمد الخالدي أو فتحي النصري أو عبد
العزيز الحاجي ...الخ

لا أذكر المسافة التي قطعناها أو الوقت الذي استغرقناه  حتى سمعنا شقشقات الفلوس ورأينا الايادي تمتد إلى السائق لخلاصه ساعتها فقط قرر علالة الكف عن قراءة الشعر وسحب من جيبه الورقة الثلاثينية للسائق وعندها تذكر الأكل فقال لي: اقترح ان نفطر " نص رأس" لأن القيروان مختصة في هذه الاكلة فضلا عن كونها رخيصة وهو ما سيتيح لنا توفير أموال نتبحبح بها
لا أملك إلا أن أقول نعم خصوصاً وان أبا زيان ائتمنه هو على الورقة بوثلاثين 
وصلنا إلى محطة اللواجات وقد بدت كمزبلة منسية أو خربة مهملة.ولم يكن في رأس علالة وقتها غير نصف رأس الضأن الذي تشتهر  به القيروان 

اتجهنا وسط البلد نبحث عن مطعم يكتظ بالناس لأن ذلك دلالة على شهرة المحل وسمعته الجيدة

ولجنا باب تونس متجهين نحو باب الجلادين وكنا نتأبط محفظتين لأن تأبط محفظة يؤكد انتماءنا إلى فئة الادباء والمفكرين 
اخترقنا البابين الكبيرين دون أن نظفر بالمطعم المنشود ولكننا شعرنا بأننا محط اهتمام بل متابعة لصيقة فعلالة كانت له لحية كثة 
دب الخوف إلى قلبينا فنحن غريبين وقد يقع اقتيادنا إلى مركز الشرطة للتحقيق معنا بتهمة الانتماء إلى الخوانجية  
ارتبكنا ..لأول مرة انتبه الى لحية علالة  أو أنها أمارة على التخونج ...لماذا تدل اللحية في بلدي على التخونج ماركس له لحية كثة وبرنارد شو كذلك 

ربما لأننا في القيروان وربما لأننا غريبين عن البلد وربما طريقة مشينا وربما لأننا نتأبط محفظتين ..الخ كل ذلك لم يعد يهمنا بل أصبح همنا كيفية التخلص من هذه الملاحقة التي لم تخطر لنا على بال 
ساعتها قال لي علالة ان لم نجد مطعما جيدا فأقترح عليك أن نفطر الكفتاجي فالقيروان تشتهر كذلك بالكفتاجي بل يمكن أن نوفر أكثر ونتبحبح أكثر بما تبقى من ثلاثين بوزيان
 
الحق أن نفسي عافت الطعام وذهبت أحلامي بأكل رأس الضأن فقد أحسست بمغص في الأمعاء وندمت على المجيء الى القيروان أصلا
 
فهم علالة ما اعتراني وانبرى يخفف عني بالسخرية من أبي زيان السعدي وأرجع الأمر الى كون كل ما يتعلق بأبي زيان يجلب النحس ولحيته بريئة مما حدث لنا 

ولجنا أول مطعم اعترضنا ومن سوء حظنا أنه لا يتوفر الا على نص واحد من رأس الضأن لأنه أنهى كل الذي أعده ولا يتوفر الا على أكلات أخرى اختصت بها جميع مطاعم الجمهورية التونسية : لوبيا ’ دجاج مصلي ’ مقرونة سباقيتي ’ ...فأكلنا كما تأكل الأنعام وكأن على رأسينا الطير ثم انصرفنا الى مقهى طقطق لنحتسي الشاي المنعنع 

أتممنا يومنا باللقاء الذي أقيم للأستاذ في دار الثقافة أسد ابن الفرات وقد حضر فيه كل من الميداني بن صالح والسويلمي بوجمعة وصلاح الدين بوجاه ومحمد الغزي وحمودة الشريف كريّم والسيد العلاني ولم يغب عنه الا منصف الوهايبي وقد حزّ في نفس أبي زيان غيابه 
ولكن عزاءه في أبناء القيروان الذين أعلوا من شأنه فجعلوه في مرتبة طه حسين وارافعي والمازني والعقاد وكان جذلا بما سمع  
توفي الأستاذ 
وتوفي المنجي الشملي 
وتوفي الميداني بن صالح 
وتوفي صلاح الدين بوجاه 
وتوفي علالة الحواشي 
ونحن ننتظر في زمن أصبحنا فيه نلتجئ للذكريات عسانا نروّح عن أنفسنا 

تعليقات