فيلم المتشابهون بين عنف الايديولوجيا وشاعرية الصورة

بقلم : محمد المي

رواية المتشابهون لمحمد الناصر النفزاوي صدرت سنة 1987 وهي رواية جسدت نهاية ستينات القرن العشرين من النكسة الى فشل تجربة التعاضد في تونس.

هذه الرواية اقتبسها للسينما المخرج السينمائي حبيب المستيري بعنوان : " متشابهون "  (مستغنيا عن الالف واللام )
ولم يقف المخرج عند الاقتباس بل اضاف للنص الأصلي ما عاشته تونس في أخر انتخابات رئاسية وبرلمانية انتهت بتنصيب زعيم حركة الاخوان على رأس البرلمان التونسي .

بطل الفيلم ( نصر الدين السهيلي ) يخرج مترنحا ليواجه واقعا جديدا غريبا حيث ترك البلاد غارقة في ازمة التعاضد ليجدها غارقة في أزمة الديمقراطية وكأنه قد كتب على التونسيين أن يعيشوا الوهم تلو الوهم والكذبة تلو الكذبة .

يعود الشخصية المحورية للفيلم ( نصر الدين السهيلي) إلى الماضي متوقفا عند أحداثه بكل ماسيها فيتذكر نفسه نادلا في خمارة صاحبها ( رياض النهدي) يفعل كل ما في وسعه للكسب : الرشوة ،الكذب ،شراء الذمم ، ...الخ لا هم له الا الكسب ، اخلاقه تعكس واقع السلطة التي يحكمها الحزب الحاكم أكثر مما يحكمها القانون بل حتى ممثل القانون (الشرطي) هو في الفيلم رمز للارتشاء .

نادل الخمارة تصيبه لوثة الايديولوجيا فيحلم بدكتاتورية البلوريتاريا ويحلم بالثورة التي ستقضي قضاء جذريا على الأوضاع الفاسدة فيرى في انتفاضة الشعب وتمرده على السلطة مؤشرا على انتهاء الظلم وتحقق العدالة الاجتماعية .

شخصية اليهودي في فيلم متشابهون

هذه الشخصية جسدها الممثل الانتحاري فتحي العكاري وهي مختلفة عن الصورة التي تكرست في السينما التونسية وهي في تقديري الشخصي قد حققت نقلة نوعية . 
اليهودي هنا لا ينخرط في حملة تهجير اليهود إلى دولة الكيان الصهيوني بل يبقى في تونس ويصدع بكلمة الحق فهو لا يوافق على تدمير ممتلكات الدولة باسم الثورة والتمرد على الحاكم فهو عقلاني عكس رومانسية نصر الدين السهيلي التي قادته الى تبرير التمرد بل تشريعه والتحريض عليه .
ولا تشعر ان وجود هذا اليهودي وجودا اعتباطيا كما فعل النوري بوزيد أو سلمى بكار بل وجوده طبيعي فنحن في نهاية ستينات القرن العشرين زمن النكسة وانهزام العرب امام الكيان الصهيوني  اذ يتبادر فورا للأذهان وضعية يهود تونس في تلك الفترة وكيف تعامل الناس معهم ؟ وماهي طبيعة وجودهم ؟ 

الزمن الروائي وهو زمن الاحداث في هذا الفيلم يبرر وجود اليهودي ولم يوجده مخرج الفيلم لنيل الدعم من فرنسا كما يفعل العديد من المخرجين التونسيين .

لم تدعم وزارة الثقافة هذا الفيلم الذي انجز بامكانيات مادية محدودة صاحبها تقشف في الديكور لم يكن مزعجا وقد اعتمد المخرج على اختيار تصوير الأماكن من الداخل وهي حيلة للتغلب على فقر الديكور وقد نجح في ذلك .

مر الفيلم بفترات تصوير متباعدة ووقع تضمين أحداث قديمة تصور فترة التعاضد وما جنته على البلاد والعباد . تونس عاشت أزمة مادية بسبب التعاضد وازمة سياسية بسبب النكسة والزمن ليس ببعيد فاذا بنا ننتقل من اذاعة صوت العرب الى صوت قيس سعيد في انتخابات 2019 التي انتهت بتنصيب زعيم الاخوان على رأس البرلمان ؟ 

زمنان متشابهان في عبثية الأحداث ومصير الشخوص وتحولات الأحداث لا فرق بين زمن الأبيض والأسود وزمن تعدد الألوان لا فرق بين تونس المهزومة سياسيا واقتصاديا في نهاية الستينات وتونس المهزومة سياسيا واقتصاديا في زماننا الحاضر .

لهذا أختار حبيب المستيري لبطله ان يتفرج على البلاد من علو جسر معلق في الفضاء به ابتدأ الفيلم وبه انتهى .

حلم ينكسر على جدار كما تنكسر الامواج على الحجارة يكفي ان تنظر الى الواقع من عل وتنأى قليلا لتدرك ان الزمن لم يتغير فقط تغير ابطاله .

فيلم جميل ...يستحق المشاهدة وحتما سيبقى في ذاكرة السينما التونسية.


تعليقات