فصاحة اللوحة ’ خيانة الكلام

فصاحة اللوحة ’ خيانة الكلام

 بقلم : أحمد حاذق العرف

كيف الدخول إلى اللوحة ؟ أمن الضوء ؟ أو ةمن الظل ؟ أو من اللون ؟ أو من الإطار ؟ أو من الفضاء ؟ واللوحة هي كل هذا وأكثر من هذا ’ وأنت ما عسى أن تفعل أيها الذاهب إليها العائد منها سوى أن تقول كلاما ’ والكلام على الكلام صعب كما يقال فمالك بالذي لا يقول إلا كلاما مضمنا ’ متواريا صامته ناطق ’ وهادئه متفجر وواضحه كأشدّ ما يكون غموضا افتضاح إشارات وثراء دلالات تملأ العين والروح معا .

إنها علاقتك الآن تبدأ مع اللوحة أيها المدجج بالكلمات والمثخن بإيقاع نحوها وصرفها ’ تقرؤها فلا مفر لك سوى أن تذعن لها وهي تكتب وحدها تشكلها ’ وتفصح ’وحدها -عن بنيتها الخاصة . لا مفر سوى الكتابة انطلاقا منها وعنها بحثا عن صياغة لنظام معرفي / جمالي ’ مرجعي أو مرتقب قد تكون منه براء . فالعلاقة بين الكلام واللوحة ’ في سيرورة القراءة هذه ’ ومن ثمة الكتابة ’ ما هي - في نهاية الأمر - إلا اللوحة نفسها.

أوليس الفن  - في جوهره - إنما هو اقتناص لتلك اللحظة الهاربة وتحويل زوالها إلى خلود حسب تعامل مع علامات ليس لها دوما غاية دقيقة وان كانت تندرج دوما ضمن الفضاء و/ أو الزمن .

لذلك ظلّت الوشائج بين الرسم والشعر مثلا قائمة تفعل مفعولها - ولو بنسب متفاوتة - في أي توجيه تشكيلي مهما كانت حوافز الهامه ’ وطرق تجسيد رؤياه انطلاقا مما تقدّم تمكن أن ننفذ إلى عالم الأمين ساسي التشكيلي الذي ما انفك يجهد نفسه من أجل فرادة لا يشاركه فيها أحد . وتمايز لا يغذيه إلا نزوع إلى اقتحام المجهول بكل ما فيه.

من دهشة وإدهاش ومتوقع ولا متوقع ’ وبكل ما لا يحتمل فيه ولا يطاق  بحثا عن صياغة أخرى تأخذ فيها الرغبة مجالا حيويا ’ توقا إلى الخصب ’ ونفيا لكل ّ إمكانيات الخصاء.

لذلك فهو يؤسس ل "شاعرية شهوانية " هي أقرب إلى "الإمتاع والمؤانسة " منها إلى أي شيء آخر ’ لا ينتفض فيها الجسد توترا وتوترا إلا ليدخل في "لذة مؤلمة " يتواصل بها مع الآخرين في مجتمع يقصي كل احتفاء بالجسد إن لم نقل قهره وقمعه أي مجتمع يكبت كل رغبة ويمنع كل التذاذ .

من هنا يتسرّب الشعر خفيّا تارة ’ متخفيا تارة أخرى  ليلقي بظلاله وإيقاعه على رسوم هذا الفنّان وكأنه يريد  أن يعيد تلك العلاقة بينهما إلى صفائها ونقائها الأول وبالأحرى إلى حميميتهما.

ماذا يتبقى من هذا الجهد الطموح ؟ قدرته على إمتاعنا وذلك من صميم على إبداع يخرج عن تكرار المألوف ’ والجاهز ’ والمقنن سعيا إلى نحت كيان مكتمل وشخصية متميزة وإضافة حقيقية في سياق مليء بالتحديات والعذابات معا.

والآن فليصمت الكلام ’ ولتنطق اللوحة 

تعليقات