وقفة أمام تجربة سارة بن عطية الخزفية

بقلم : محمد المي

قدمت الفنانة الخزافة سارة بن عطية معرضا خزفيا جديرا بالتوقف عنده لمحاولة فك مغالق أسرار الدهشة أمام منجزها البديع.
الجميل ما يروعك ويروعك ( بتشديد الواو) اي مايبعث فيك مشاعر متناقضة تمتد من الانبساط إلى الحيرة ومن الاستسلام الى البحث ومن التسليم الى الرفض . مالذي يجعلك تقول أنك أمام منجز بديع ؟ ما حجتك ؟ ما وسيلتك؟ 

منذ اطلالتك الأولى تصطدم بالمفارقة التي أرادت الفنانة اعلانها وتتمثل هذه المفارقة في المواءمة بين الماء والنار ذلك أن الخزف فن من فنون اللهب اذ لا يمكن ان يستقيم الخزف دون أن يكتوي بألسنة اللهب ويتشبع بلظى النار الحارقة 
فاذا به في معرض سارة بن عطية
مخلوقات مائية خارجة من بحرها لتوها كأنها ولدت في ماء وقدت من ملح . 
يتحدث ميشال ريفاتار عن كسر أفق انتظار المتلقي كدلالة على تحقق فنية العمل الفني / مابه يكون الفن فنا .
مجرد استنباط الفكرة يجعلك تنتقل من دنيا الواقع الى عوالم الدهشة ويخرجك 
من عالم المحسوسات الى عوالم من التخييل وتلك هي متعة الفن . ومالفن ان لم يكن امتاعا ومؤانسة ؟ 
الفن كذلك بل أساسا هو مسألة أنطولوجية تحدد علاقة الفرد بذاته كما تحدد موقعه من العالم . مساءلة وجودية ولذلك فإن التوقف أمام العمل الفني يربك ويجعلك تعود إلى ذاتك وانت الذي تأمل الخلاص منها.

من أعاجيب معرض الفنانة المرهفة سارة بن عطية كيفية إخراج أعمالها في اتساق وتجانس وتوافق كأن القطعة مستلة من أختها أو كأنها تتجلى في شكل يوهم بالاختلاف والتغاير ليحقق التناسق والتواؤم البصري . البحث عن الانسجام الجمعي مع الحرص على تفرد كل قطعة بما لها من خصوصيات تجعلها مختلفة متفردة . تماما كسرب الطير اذا اجتمع فيشكل في اجتماعه بهاء وجمالا .

كأنك في حضرة نص تتعدد صفحاته وكل صفحة تكتب جزءا من حكاية لا تكتمل بل تغريك بالتي تليها ولا تعرف حدا لنهايتها فأعمال سارة بن عطية تذكر بألف ليلة وليلة وراويتها شهرزاد التي تأبى انهاء الحكاية

لعبة خزفية تدعوك إلى تبصرها وتحذرك من لمسها أو الاقتراب منها لأن متعة المشاهدة لا تضاهيها إلا متعة إدراك صبر الفنان ومعاناته ففيها تجلت روحه التي لا ترى بالعين المجردة وانما تلمس (بضم التاء) وتحس (بضم التاء).

من نور ومن نار ومن ماء قدت الفنانة أعمالها الخزفية فاذا بها تتمظهر في أشكال وألوان وأحجام تخترقها الثقوب وتبرز فيها النتوءات فتتكثف الدلالات وتختلف القراءات فإذا العمل الذي يغريك ويستدرجك لا يتيح لك مفاتيحه بل لا يدعوك إلا لتقبله كما هو دون البحث في أسباب نشوئه وسر خلقه بل اسأل عن منشئه وخالقه من طين حتى ترهف الحس وتدرك لمسات انثوية من خلال المرائي ( جمع مرآة) أو تعدد الثقوب أو الاشكال المستديرة ...الخ 

يختلف الخزف عن سائر الفنون بكونه أكثر الفنون حميمية والتصاقا بذات الإنسان ربما لأن الإنسان خلق من طين وربما لأن الفنان يحاكي الخالق عندما يريد ان يشكل من الطين شكلا وربما لأن تشكيل الطين ايسر من تشكيل الحجارة ...وربما وربما ...تتعدد التأويلات وتختلف ولكنها تؤكد حميمية هذا الفن الذي لا مناص لك من البحث فيه عن ذات صانعه/خالقه/ مشكله /ناحته /منشئه...وماشاء لك أن تصف به صانعه

أنت في حضرة إحتفالية هادئة،ساكنة ، مستكينة وأنت في حضرة إبداع خلاق يدهشك ويذهلك ويروقك ويبعث فيك الحيرة إلى حد تتكثف الأسئلة التي لا تنشد أجوبة .

تعليقات