اليوم العالمي للغة العربية

بقلم: محمد المي

تحتفل الدول العربية اليوم باليوم العالمي للغة العربية الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 2012 وتحتل اللغة العربية المرتبة الرابعة عالميا من حيث عدد مستعمليها في الانترنيت وينطق مايقارب نصف المليار من البشر.

قد يبعث هذا الرقم الأمل فينا خصوصا وأن هناك تنبؤات تقول أن اللغة العربية ستبقى قائمة رغم امكانية اندثار عديد اللغات .
الحق أني لست متفائلا بمستقبل اللغة العربية لأنني اعتبرها بمثابة المال الضائع أو الكنز المتلاشي أو الأرض الخصبة والمهملة في الوقت نفسه وسبب هذا التشاؤم هو غياب الهياكل العلمية الراعية للغة والساهرة على حمايتها وحفظها ودعمها وأعني تحديدا مجامع اللغة العربية .

لا وجود لقاموس عربي على غرار Robert أو Petit Robert ...الخ وهي قواميس يقع تحيينها كل عام وتضاف إليها عبارات وتحذف منها كلمات وهنا أروي حادثة تتمثل في كون يهود فرنسا تفطنوا إلى أن كلمة Avare تعني من بين معانيها : اليهودي 

ثارت ثائرة اليهود وطالبوا بسحب القاموس المذكور من المكتبات وتم لهم ذلك وأعيد طبعه بعد حذف مايشير إلى اليهودي ..ولنتصور الكلفة المالية لسحب معجم واعادة طبعه معدلا ؟ 
حادثة ثانية اذكرها في هذا السياق ان الابحاث اللغوية التي يقوم بها نعوم تشومسكي ترعاها وزارة الدفاع الامريكية لأن أمريكا تعتبر اللغة من أمنها القومي ؟ 

أين نحن من هذا ؟

أين مجامعنا اللغوية ؟ ماذا تصنع! هل تصدر معاجم لغوية ؟ هل لديها سلطة معنوية أو رمزية ؟ 

هل لدينا معجم لغوي ؟ 

طبعا الإجابة بالنفي ! فلماذا نحن نطمئن كل هذا الاطمئنان ؟ ولا نخشى على لغتنا من الاندثار والتلاشي ؟ ألأنها لغة القرآن الكريم ؟ ورغم ما أصاب العرب من وهن وتخلف وتراجع فإن الاسلام لايزال يحمي لغتنا ؟ 

لا أمتلك إجابة دقيقة غير أني أخشى على لغتي وليتني كنت في موضع المفاخر فأردد ماقاله شاعر النيل : 

"رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي

وَنادَيتُ قَومي فَاحتَسَبتُ حَياتي

رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني

عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي

وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي

رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدْتُ بَناتي

وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً

وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ

فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ

وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ

فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي

فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني

وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي

فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني

أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ وَفاتي

أَرى لِرِجالِ الغَرْبِ عِزّاً وَمَنعَةً

وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ

أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً

فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ

أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَرْبِ ناعِبٌ

يُنادي بِوَأْدِي في رَبيعِ حَياتي

وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ

بِما تَحتَهُ مِن عَثْرَةٍ وَشَتاتِ

سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً

يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي

حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ

لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ

وَفاخَرتُ أَهلَ الغَرْبِ وَالشَرْقُ مُطرِقٌ

حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ

أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً

مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ

وَأَسْمَعُ لِلكُتّابِ في مِصْرَ ضَجَّةً

فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي

أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ

إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ

سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى

لُعَابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ

فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً

مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ

إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ

بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي

فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيْتَ في البِلَى

وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي

وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ

مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ"




تعليقات