فتحي العكاري مسرح ضد الممنوع

بقلم : محمد المي
قدم الممثل والمخرج المسرحي المعروف فتحي العكاري مساء الاثنين 6 ديسمبر 2021 بقاعة المبدعين الشبان مسرحيته : "مقاطع " 
تمثيل نادية عبيد ....مريم جلاصي عتيق فتحي العكاري 
نص فتحي العكاري 
دراماتورجيا فتحي العكاري هادية عبيد 

سينوغرافيا فتحي العكاري / كافية الراجحي 
إنارة هادي بومعيزة 
توضيب الصوت سلمى الاجنف 
إدارة البحث والإخراج فتحي العكاري 
إدارة الإنتاج مصطفى القضاعي
إنتاج مختبر الممثل-الباحث  ..مسرح البديل
                      كعادته لم يخرج فتحي العكاري عن أجوائه وعوالمه متخذا من الواقع اليومي والمعيش مادة لتعريتها ومواجهتها وقول كلمته فيه مستندا على نظرية أرتو( 1896- 1948)(مسرح القسوة)  التي ترى أن كل مايحدث وكل ماوجد في هذا الكون : خراء 
الحروب من اجل الخراء 
الحياة من أجل الخراء 
كل شيء في هذا الكون خراء 
                  ديكور يتألف من مرحاضين ( القصرية السوري) وبعض الرمل هنا وهناك على اطراف وحواشي الركح الذي جعله أسفل القاعة لا يعلو على الجمهور قصدا . 
                   مسرح يؤثثه الغناء والرقص ويعتمد على المشهدية التي تجمع بين مايرى ومايسمع في الآن نفسه . يلبس فتحي العكاري الأحمر والأسود (ستانداليا نسبة الى ستاندال) غير أن احمره واسوده يشيران الى عنف الواقع  وقتامة المرحلة التي يؤكدها سواد لباس نادية عبيد الممثلة الشابة التي رقصت وغنت واحتجت وصرخت وبكت وقفزت واستلقت وتذوقت خراءها بطلب من فتحي العكاري الذي رأى في الخراء 
الطبقة السياسة في تونس 
المثقفون 
المنتسبون إلى  الدين
            هكذا يعمل فتحي العكاري معول الهدم والاطاحة بطابوهات اجتماعية كافرا بكل شيء متخذا من الركح عالما للحرية ولو كانت أنية ،ظرفية .
               المسرح عنده وسيلة للمقاومة وهدم الثوابت وتأسيس أخلاق بديلة لا تؤمن ألا بكون الاني خراء 
لدوا للخراء وابنوا للخراء 
              فكلكم يسير الى خراء 
عذرا لأبي العتاهية على تحريف بيته الشعري .
نظرة تشاؤمية يقترحها العكاري كقراءة لوضع بائس, مهتز يقاومه بالغناء والرقص ومحاولة افراغ المقدسات من محتواها كالرقص على انغام الحزب اللطيف . جمالية أخرى تستقز الراكن إلى معتقداته وتبعث الحرارة في جمود الهادئين .
           مالمسرح ؟ إن لم يكن فعلا ثوريا ،تنويريا؟ مالمسرح إن لم يكن مواجهة ؟         مالمسرح إن لم يكن تعرية للمسكوت عنه ؟  هذا مايرومه فتحي العكاري من خلال مقترحه الجمالي الذي قدم فقد كان يكتوي بنار سيجارته على الركح كمن يصر على الموت ...كان يدخن بصورة انفعالية مصرا على أن يغيب عن وعي يرفضه ويمقته ...هاربا في نفاثة         السيجارة التي تحترق بين اصابعه (الكمية بعد الكمية )...دفن ما تبقى منها في الرمل كمن يدفن ميتا فارقه .
                 أليس الركح مجالا للتطهير ؟ أليس الركح فسحة للتجرد من كل العقد والامراض واخراج المكبوت ومواجهة الآخر بما لا يعلم ما بين جوانبه؟ 
               فتحي العكاري يعيش المسرح بجوارحه ويحياه بأعصابه . 
                   انفعالاته انسابت كالطوفان لتشمل كل من كان يشاهده حتى شعرت بالانفعال فلم يكن العكاري في ركح منفصل عن جمهور بل كان كل المسرح ركحا موزعا بين فاعل ومفعول بنا . بين باث لطاقة سلبية لبستنا أو نجح فتحي العكاري في ان يلبسها لنا.
                      مقاطع ...ليست مسرحية مستقرة بل قلقة متحولة متبدلة لا تنشد الاستقرار ولا تطلب رضاء الجمهور بل تدعو إلى تعميم الغضب ...غضب المثقف الذي يروم التغيير ولا يعجبه العجب نفسه .
                     هي مجرد مقاطع من حياتنا المقتطعة وقد تقطعت بنا السبل حتى تقطعنا وصرنا أشلاء من اجسام تنوء حتى حمل واقع بائس ، مرير . لا تنشد الاطمئنان في مسرحية العكاري ولا تنتظر غير هزة تهزك من اعماقك الى اعمق مافيك حتى تدرك انك لا تدري ما انت فيه وما انت عليه .


تعليقات