كابوس أنشتاين مسرحية تمتعك وتعلمك

بقلم: محمد المي
لا يزال كمال العيادي (الكينغ) يبدع ويزعج ويحير بكتابات مدهشة ، تشي بعبقرية نزلت على الساحة الثقافية نزول الصاعقة فأربكت المستكينين إلى هرائهم الذي كانوا يعدونه ابداعا وما هو كذلك . وهاهو أنور الشعافي يلتقط من لمع الكينغ نصا مربكا ليحول وجهته ويبرزه مسرحا لا عهد للمسرح به.
هدوء الشعافي تقاطع مع جنون الكينغ فوجد هذا نفسه في ذاك متجليا كأبهى ما يكون التجلي.
في مسرحية بطلها عالم الفيزياء اليهودي البيرت انشتاين يتلاقى في غلطة من غلطات الزمن مع أعرابيين وجدا في غير زمانهما كما وجد أنشتاين نفسه في غير زمانه أعني زماننا هذا الذي نحياه بقوانين الميلتيميديا والانترنيت فلا نحن نعي وندرك قيمة ما نحيا وما نعيش ولا ما هو موجود - وقد سخر لنا - جدير بأن يكون لنا 
أنشتاين نفسه لا يفهم ما طرأ على العالم من تحولات رغم أنه نظر للزمان .
      تدور المسرحية حول اشكالية الزمن فتجتمع الاضداد على ركح مسرح لم يخلق لها ولم تخلق له . حتى يغدو حالنا يضحك إلى حد البكاء

وَكَمْ ذَا بِمِصْرَ مِنَ المُضْحِكَاتِ ... وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَا

مازلنا قابعين في عصر لم يعد لنا ونعيش في عصر هو بدوره ليس لنا فلا نحن في الماضي وقد حسبنا أننا تخلصنا منه ولا نحن الحاضر ونحسب أننا نعيش فيه . لعنة الزمن تصيبنا .
حتى أنشتاين الذي يقال ان له علاقة بمارلين مونرو لا يفهم اي سر اوجده في زمن غير زمانه وسط أعراب حولوا حبيبته إلى بائعة هوى تسقي المخمورين من زمن إلى زمن .
تتحول الاشياء وتتداخل ويأتي على ضوئها التفسير والتعليل والتبرير ...وهل من خيار لنا غير هذا ؟ فنحن نستهلك ما لاننتج وتعيش على أطلال ماض ولى وانتهى .
سعى أنور الشعافي بحنكته وثقافته المسرحية الى عرضنا لنتفرج علينا فلم يكن العرض إلا مرأة تعكسنا فيما نحن نقبع لا حول لنا ولا قوة لنضحك علينا كل ذلك :
بديكور: 
لا وجود سوى لصورة البيرت انشتاين وهو يخرج لسانه ساخرا عابثا غير مكترث بصورة العالم وهيبة العلماء ، هو أشبه بمهرج في سيرك
وهل يختلف مسرح الحياة عن السيرك ؟ ما نحن إلا في سيرك ، بعضنا يتفرج علينا في انتظار حلول دور المهرج الذي سيضحكنا من أنفسنا فيما نعتقد أننا نضحك عليه.
وموسيقى
خلافا لأغلب المسرحيين الذين يلجؤون إلى السطو على قطع موسيقية من الانترنيت فان أنور الشعافي اختار أن تكون موسيقى مسرحيته خاصة خالصة تغنيها مطربة ألمانية بكلمات جرمانية يغنيك وقعها في الأذن عن فهم كلماتها اذ لا وطن للموسيقى غير موقعها من نفسك فتطرب لها أو تعرض عنها.
واضاءة: 
سعى من خلالها أنور الشعافي إلى تبئير شخوصه مسلطا على تحركاتهم مايحدد وضعياتهم غير مكترث بتفاصيل وجوههم اذ الحوار يعنيه اكثر .
لقد كان نص كمال العيادي ثريا جمع بين لذعة النقد وطرافة الموقف وكسر افق الانتظار قصد الاضحاك والامعان في السخرية وبذلك تظافر النص مع الموسيقى والاضاءة والديكور وحتى : 
الملابس : 
فأزياء بني يعرب تنم عن بيئة قصور ونعيم لا يزال العربي لم يفارقه في متخيله يقابله الزي الافرنجي لالبيرت أنشتاين الذي ينم عن سياق مختلف هو أقرب إلى العملي والممكن والمنخرط في راهن مازلنا نعيش على ايقاعه.
عرض تكاملت فيه عناصر الفرجة قصد تحقيق المتعة .
واي متعة هي التي تجعلك تخرج منهكا مقوس الظهر مهتما كأن كل الهموم اجتمعت عليك دفعة واحدة دون استئذان.
كابوس أنشتاين نص كبير تجسد في مسرحية رائعة أشهد أني استمتعت وتعلمت .


تعليقات