أحمد عبد الوهاب الهاني

بقلم: محمد المي
هو أصيل سليانة...واختار أن يقضي بقية حياته في بنزرت ، أبيض البشرة ، طويل الوجه ،ضيق العينين ، طويل الأنف ،يميل إلى القصر لولا الكالباك الذي يوهمك بطول قامته.

زيتوني ، عروبي ، ناصري حتى النخاع أتم دراسة التحصيل في تونس ثم أتم دراسته في جامعة عين شمس بالقاهرة لذلك هو ولوع بكتابات طه حسين والعقاد ومحمد غنيمي هلال صاحب كتاب الأدب المقارن. يحلو له أن يتحدث عن هذا الأخير الذي يمتلك سبع لغات ، كان كمن عثر على ضالته فيه فيقول بمرارة لا معنى لشخص لا يحذق لغات متعددة.

أصيب بمرض في معدته جعله كثير التجشئ مما حدا بادارة معهد نهج باش حامبة ببنزرت بابعاده عن قاعات الدرس وتعويض ساعات عمله في مكتبة المعهد. 

جعل سيدي أحمد من مكتبة المعهد قبلة الأساتذة وبعض التلاميذ المولعين بالمطالعة وكان يتخذ له مكتبا فيها يجعله فوق مصطبة حتى يعلو على سائر الطاولات ويصدره باسمه الثلاثي: أحمد عبد الوهاب الهاني المكتوب بخط عربي جميل . ويختار اللباس التونسي الأصيل حيث يلبس جبة خمرية تارة أو قمراية تارة أخرى أو سكروتة أحيانا فيشذ عن سائر الأساتذة كما تشذ سيارته البيجو 305 عن سائر سيارات الأساتذة وكأنه هو وسيارته قد جاءا من زمن ولى وانتهى.
حبه للتدريس الذي فارقه رغما عنه جعله يحول المكتبة الى قاعة للمحاضرة إذا سأله تلميذ عن مسألة فتحين الفرصة ليلقي درسا واذا سأله أستاذ ليدخل معه في جدل كثيرا ما كان يخرج به من الأدب إلى السياسة.

كان يسخر من المقررات المدرسية ويتشدد مع من بخلط الكلام العربي بالكلام الأعجمي وكان يصوب نطق حروف تلميذ جاء على عجل ليستعير كتابا فيقول له ابدأ كلامك بمتحرك فاكسر الكاف بدل تسكينها وانت تطلب كتابا.

يعتبر الأستاذ ضحية نظام تربوي فاسد لذلك لا يستغرب من فشل التلاميذ خصوصاً في المواد الأدبية.

كان شديد الاعجاب بالعقاد فيصطحب كتبت من مكتبته الخاصة لمطالعتها في أوقات الفراغ وأفضل الأوقات لديه هي التي يكون فيها الاساتذة في أقسامهم.

كان يحب ابن الرومي والمتنبي وبشار وأبي نواس وهؤلاء عنده أفضل شعراء العربية. كتب العديد من المقالات في مجلة الاتحاف ( لمؤسسها الراحل عبد القادر الهاني) فكان يفرح بصدور عدد من أعدادها وبعد الفراغ من مطالعتها يضمها إلى بقية أعداد قدمها هدية لمكتبة المعهد عسى أن يستفيد منها أستاذ أو تلميذ خصوصا وأنها كانت تفرد حيزا لأدباء الباكالوريا.

أحياناً يسمح لنا - نحن رواد المكتبة - مناقشته وطرح الاسئلة عليه فيضحك - حتى يبرز نابه الفضي - من كيفية فهمنا وتقديرنا لبعض المسائل ويدعونا إلى مزيد المطالعة والحفظ.
يلجأ إليه العديد من الأساتذة للاستفسار عن مسألة لغوية أو بلاغية ويستنجد به العديد منهم لمدهم بمراجع غير متيسرة فكان كالنبع الذي لا ينضب وكريما لا يريد طالبا.

رحم الله سيدي أحمد الذي لايزال عالقا في ذاكرة تأبى النسيان


تعليقات