هربة عزيز الجبالي ومأزق المسرح التونسي

بقلم: محمد المي

goog_927724388
يبدو أن جيلا جديدا مختلفا يقدم مسرحا مختلفا سينقذ المسرح التونسي من المأزق الذي يتخبط فيه.
هذا هو الاستنتاج الذي خرجت به بعد مشاهدتي مسرحية هربة لعزيز الجبالي على ركح مسرح المركز الثقافي الدولي بالحمامات ضمن الدورة 56 من مهرجانها الدولي.
المسرحية تفترض وجود كوكب آخر لا علاقة له بكوكب الأرض إلا من حيث انتقاء نوعية مخصوصة من البشر لا تتوفر فيهم مواصفات البلادة والتصطيك الذهني والعادات السيئة التي أفسدت جمال كوكب الأرض. لتحقيق هذه المهمة كان لا بد من فحص دماغ كل منتدب جديد لهذا الكوكب وتحليل خصوصيات ومكونات أي عنصر بشري ينوي الالتحاق بالكوكب الجديد.

هنا يبدأ في استعراض ما يضحك فينا ويضحكنا علينا من أدنى الممارسات التي تكشف عن فسادنا وتكشف عن حجم اساءتنا لأنفسنا وللحظة التي تحققت فيها سيادة الإنسان على كوكب الأرض. 
لم يستعرض عزيز الجبالي في مسرحيته القضايا السياسية والصراعات 

الايديولوجية وافساد الإنسان للكون بل انطلق من معاينة تصرفات بسيطة تعكس عفن الإنسان وقلة ذوقه وسوء تصرفاته التي تعزله وتؤكد فساده.

لأول مرة أقتنع بنجاح فكرة توظيف الوسائط المتعدّدة وتحديدا یسمّى بالمابینغ(mapping ) لأن هذه التقنية جنح لها العديد من المسرحيين اما للايهام بمواكبة الحداثة أو للترفيع في منحة الدعم بينما اكد عزيز الجبالي أن هذه التقنية قد استخدمت فيما يجب أن تستخدم فيه بل إن استدعاءها ضروري لأنها جزء من العمل بل تقوم عليه.
نحن في أجواء الخيال العلمي وفي رحلة الكواكب وفي عالم يفحص الأدمغة ويسبر أغوار النفس ويبحث عن تشخيص مكونات الذات ويحاول تقديم وصفة للسعادة.

كانت الأضواء ذات وظيفة دالة وفاعلة بل لعبت دورا رئيسيا من خلال تداخلها وعدم استقرارها فهي ليست للتبئير (focalisation) وإنما للتشويش وعكس حالة الاضطراب النفسي وعدم الاحساس بالاستقرار قصد تحقيق النقلة من كوكب الفساد إلى كوكب آخر يلزمك بمواصفات مختلفة.

وهنا تتظافر الموسيقى ( موسيقى الروبو) وتلك التي تستعمل في أفلام الخيال العلمي عندما تنطق الالات أو الروبوات البشرية التي اجتهد في خلقها الإنسان لينهي أسطورته ويضع حدا لما كان يتوهم أنه انسانيته.

نحن أمام مسرح مختلف فعلا

في هذا المسرح تشعر بروح الشباب المتمردة وتدرك أن اطروحات بديلة بصدد الترسخ ومحاولة بل النجاح في الابتعاد عن الخطاب المباشراتي الفج والاستنجاد بما يصدم الذوق ويخدش الحياء بصورة مسقطة ومجانية. يتوافق الخطاب المسرحي/ الركحي مع اللغة المستنجد بها فاللغة لم تعد اعتباطية بل توصلت إلى تحقيق سردية الكشف والتعرية: الكشف عن التوتر البشري وتعرية واقع نعيشه ولا ندركه.
لقد أبهر عزيز الجبالي من خلال حركاته وقدرته على توظيف امكانياته الجسمانية مع استعمال محكم لديكور وظيفي ينم عن رؤية متطورة وجهد جديد

تعليقات