سينما: في اليوم الأول: امتياز الفيلم المغربي

بقلم: محمد المي
فيلم " العبد" للمغربي عبد الاله الجوهري الذي شارك فيه  مجموعة من الفنانين المغاربة منهم، إسماعيل أبو القناطر، نعيمة إلياس، عمر لطفي، سحر الصديقي، ماجدة زبيطة، حميد زيان، سعد موفق وهاجر شرقي.
وكتب السيناريو المخرج نفسه مع السينمائي التونسي كمال بن وناس فيلم يعيد طرح أسئلة الحرية والعبودية. 
اختار المخرج تصوير فيلمه الروائي الطويل في منطقة فݣيݣ وهي منطقة تقع في جنوب المغرب قرب مدينة وجدة على الحدود الجزائرية المغربية تشبه بلاد الجريد عندنا ولكنها غير مستغلة رغم كثرة خيراتها.
في الفيلم يسيطر على تلك المنطقة رجل ثري يدعى بن عمر يستنزف خيرات البلد ويستغل عمالها بأدنى الأجور. نظرا لتهافتهم عن العمل عنده والاعراض عن خدمة الأرض.
عمال بسطاء يتوقون إلى مواكبة الحياة وأقصى امانيهم امتلاك هواتف جوالة تمكنهم من الاتصال بالعالم الخارجي. في هذه الأجواء المضحكة المبكية يظهر شاب مثقف غريب عن تلك القرية يبحث عمن يشتريه ليصير لديه عبدا في زمن اختفت فيه العبودية فيصيح وسط الناس معلنا استعداده ليكون عبدا لمن يشتريه.
في وسط ذهول بسطاء القرية وعدم قدرتهم على استيعاب طرح هذا الشاب غريب الأطوار. يظهر شاب آخر يعمل في مصنع الثري بن عمر فيتعرف على هذا " العبد " ويناقش معه مفهوم العبودية والحرية.
لقد اختفت العبودية بمفهومها القديم ولكنها تمظهرت في أشكال جديدة على غرار العمل الذي أصبح فيه العامل مغتربا في ذاته أسيرا لطلبات السوق ، يلهث وراء لقمة العيش ، يناضل من أجل العيش الأدنى فيما يرفل رجال الأعمال في الرفاه مكبلين عمالهم في القروض المدانين بها البنوك.
يظهر الشاب " العبد" أكثر عقلانية ووعيا بالأشياء فيما يكابر العمال/ العبيد فلا يدركون ماهم عليه.
يقتحم الشاب/ العبد منزل الثري الذي ليس له إلا بنتا وحيدة هي أرملة ترغب أمها في تزويجها ثانية من عبد من عبيد والدها...في الفيلم الكل مسخر للترفيه على السيد بن عمر. غير أن ابنته لا ترغب في عبد من عبيد والدها بل في رجل يحبها لذاتها وترغب هي في شخصه وكأن الثورة قد وجدت سبيلها في بيت الثري وبذور الانشقاق قد دبت داخل جدران القصر المحروس.
يقع المحظور ذات ليلة حيث يتمكن الشاب العبد من سرقة عقد ذهبي فيعرف الثري بن عمر أن الشاب هو اللص الذي استغل الثقة وخانه طبعه فيقرر معاقبته لولا تدخل ابنته لانقاذ الموقف.وهنا تنشأ قصة الحب اذ هي رأت في الشاب طموحه وذكاءه وراى فيها مروءتها وقدرتها على اكتشاف الإنسان فيه.
مع هذه القصة قصتان موازيتان في الفيلم الأولى هي قصة الشاب العامل في المصنع الذي عرض نفسه على الثري ليكون طوع يديه فاذا به ينقلب ليصبح نقابيا مدافعا عن حقوق العمال فيقع نصب فخ له حيث وظفت سكرتيرة بن عمر خادمتها كي تمارس الجنس معه ويقع تصويره لكي يتم ابتزازه
وهنا تتجسد صورة قدرة رأس المال على استغلال الاوضاع وعدم التقيد بالأخلاق لأن الرأسمالية لا اخلاق لها
القصة الثانية هي قصة رئيس محطة القطار الذي تعاني ابنته المعاقة من حالة توتر دائمة بسبب صوت صفير القطار حتى تموت صرعا ذات مرة جراء غفلة اهلها.
قصص تتوازى لتدفع بالقصة الأم لبلوغ نقطة النهاية فتحدث القلق لدى المتلقي الذي يبحث عن الخيط الرابط بينها فلا تكون سوى تعدد مظاهر العبودية وتجسدها في أشكال مختلفة ليقول الفيلم كلمته في وهم كنا حسبنا انفسنا قد تخلصنا منه ولكنه لا يزال جاثما فوق صدورنا مثل عدة اوهام اخرى.
فيلم فلسفي لا يجعلك تطمئن أو تهدأ بقدرما يحرك فيك السواكن. ويجعلك تعيد طرح الاسئلة على طريقة ميشال فوكو لتبحث عن ميكرو السلطة التي تقيدنا.

تعليقات