أخطأ الجرابة ولو كانوا على حق

بقلم: محمد المي

في منطقة نائية عن العمران وبعيدة عن ضجيج المدينة أختار الفاضل الجزيري أن يغامر ويقامر ويضيف إلى تونس معلما ثقافيا جديدا يعزز قرطاج والحمامات والجم فتكون جربة رابعة الأربعة ، فضاء ثقافيا بأتم معنى الكلمة: 
كان يمكن للفاضل الجزيري أن يستصلح بعض المنازل القديمة في العاصمة ويحولها إلى اقامات خاصة أو مطاعم أو مقاه ثقافية. 

كان يمكن للفاضل الجزيري أن يستغل معلما قديما في العاصمة ويحوله إلى ما يشد الجمهور ويسر الناس ولكنه اختار المغامرة والاتجاه إلى تونس الأعماق ، تونس الداخل ، لكسر المركزية الثقافية وتحويل الأعناق إلى الجنوب التونسي.
طبعا سيستفيد أبناء جربة قبل غيرهم من هذا المشروع الضخم. حيث 

سيستقطب عددا كبيرا من العمال وربما ستنتهي البطالة من جربة بهذا المشروع الضخم الذي يحتاج إلى عشرات العمال في مختلف المجالات.

لا أعرف لماذا وجدتني أدافع عن هذا المشروع الثقافي قبل ان أعرف به واتعرض لأهم مكوناته ؟ ربما لأني رأيت اللافتات المرفوعة المنددة بهذا المشروع والمتهمة للفاضل الجزيري. كنت سأكون مع هؤلاء لو بنى الفاضل الجزيري مصنعا ملوثا للبيئة أو مشروعا اقتصاديا ، تجاريا. ولكنه أختار مشروعا ثقافيا حيث سيصبح الفضاء مخصصا لاقامة الفنانين وعروضهم وانتاجاتهم الفكرية والأدبية والفرجوية بمختلف أنواع الفرجة وفنون العرض. 

من سيسكن مركز الفنون جربة هم الأدباء والكتاب وأهل المسرح والسينما والموسيقى..الخ ومن جربة ستخرج المشاريع الابداعية والفنية وأهل الفن والأدب لن يؤذوا العصافير بل من جمال العصافير سيرسمون اللوحات ومن أصوات العصافير سيكتبون نوتاتهم الموسيقية. 

لماذا يفسد بعض الجرابة عرسهم ولا يبتهجون بالمشروع الذي تحقق لهم على أرض جزيرتهم ؟ 

أكبر في الفاضل الجزيري طموحه واصراره على تحقيق حلمه حيث تحول إلى صاحب اضخم مشروع ثقافي خاص ينافس مشاريع الدولة ولم يتسول الدولة ولم يخرج في التلفزات شاكيا باكيا مستنجدا بل عرف كيف يتحدى الوضع البائس الذي تمر به تونس ويشعل الشموع ويعلن الفرح في وقت الكآبة والبؤس الذي تعيشه تونس على جميع المستويات.

كان حريا برئيس الدولة ان يدشن هذا المشروع وان تحضر وزيرة الثقافة خصوصاً وانها ابنة جربة للاحتفاء بهذا المكسب الثقافي الوطني والمغاربي لكي لا نقول العربي . 

ليس من اليسير ان تتعزز فضاءاتنا الثقافية بفضاء جديد . وليس من البديهي في مثل هذه الظروف ان يتحقق هذا المشروع الذي يحتوي على مسرح للهواء الطلق يتسع ل3000 شخص! واقامة فنية ل750 فنان! وقاعات عروض واروقة فنية...الخ 

لقد غزا الفاضل الجزيري في " تربلة " البؤس والركود وحرك السواكن وقام بحماية قطعة من الأرض كانت نسيا منسيا لسنوات ولفت الانتباه إلى جزيرة الأحلام من زاوية أخرى. 
تمسح جربة حوالي 514 كلم ويسكنها حوالي 165000 ساكن وهذا المشروع الضخم سيعطي معنى آخر للمكان مثلما أعطى متحف للا حضرية وهو ملك خاص معنى جديد للمكان. 

شخصيا أثق في المشاريع الخاصة أكثر من ثقتي في مشاريع الدولة لأن الخواص يسعون إلى تطوير مشاريعهم والحرص عليها ومحاولة انجاحها فيما يرقد " رزق البيليك" في اللامعنى ولا تنتظره إلا الخسارة.

يقول ادونيس: لا تنشأ الحداثة إلا اغضابا" وفعلا لأن كل ما هو حديث وجديد بالضرورة يكون غريبا وصادما ومستفزا. حتى الرسل الذين بعثوا مبشرين برسالات ربهم لاقوا من العنت والمعارضة والصدود ما لاقوا. ولكن في النهاية انتصرت العزيمة وانتصر أصحاب الأفكار الطلائعية وأظن الفاضل الجزيري واحد من هؤلاء...من أصحاب الأفكار الرائدة والمشاريع الضخمة. وسينجح ولو بعد حين لأن رجلا في سنه - وقد تجاوز السبعين - مازال يحلم ومزال يطمح ومازال يحب ويؤمن بالمشاريع. 

قال الشابي في رسالة كتبها الى صديقه الحليوي: " لقد يئست من المشاريع التونسية" . ( في ثلاثينات القرن العشرين) وهاهو الفاضل الجزيري يخالف هذه المقولة ويكذبها ( في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين) 

شكرا للمبدع الحالم الفاضل الجزيري
شكرا لهذا الفنان الذي تميز على أبناء جيله وقدم لبلاده مشروعا ثقافيا حقيقيا ستستفيد منه تونس اولا واخيرا.
شكرا للفنان الفاضل الجزيري لقد جعلت الحلم ممكنا في زمن انتهاء الأحلام لكي لا نقول زمن الكوابيس. 

تعليقات