هموم تونسية: عن الثقافة طبعا

بقلم : محمد المي
حيرني واسعدني مقال رجل المسرح الكبير محمد كوكة الصادر  في جريدة " لابريس" بتاريخ: 21 ديسمبر 2022 ومأتى سعادتي هو شهادته عن كتابي " موليير في تونس" التي سمعتها منه شفويا واعادها مكتوبة : 
            شفوية لم ينبس بها خلسة وانما قالها جهارا نهارا وهو على المنصة قبل ان يأخذ الكلمة ليقدم مداخلته .
                 ومكتوبة في جريدة يقرأها عشاق لغة موليير .
       هناك العديد من هنأني خلسة ( بيني وبينك) وأنا في هذا العمر وقد تجاوزت نصف القرن صرت على مذهب أبي نواس: " لا تسقني سرا ان أمكن الجهر" أريد من يجهر بحبي وبجهدي وبعملي ولا يسعدني 
   أعرف أننا أمة تخاف الفرح وتتشاءم من الضحك ولكن ما حيلتي وقد أصبحت نرجسيا بعض الشيء ؟
  لقد اغتربت في نفسي عندما آثرت تقديم الكتاب والاحتفاء بتجاربهم ردا على من جاؤوا بعد 14 جانفي 2011 وقالوا ان تونس عاشت تصحرا ثقافيا قبلهم _ وفيما أنا أكذب المزاعم والادعاءات الجوفاء _ كان البعض من " الأدباء" يراني دخيلا عن الأدب والحال أن مؤلفاتي تجاوزت ال 15 كتابا فأسمع عبارات من قبيل : انت صديق الأدباء وانت تخدم الأدب ...الخ من العبارات التي تشتم منها رائحة التقزيم وعدم الاعتراف بشخصك.
   طبعا هذه حرفة تونسية بحتة (لا يشهدون لفاضل بفضيلة) ونحن أقرب الى تقزيم بعضنا بعض بل إلى تحقير جهودنا وتصغير متاعنا (شريب كريهبة وعملت دويرة وخذيت مرية وجبت صغيرات وعندي اربعة فرنك تحت راسي على موت على حياة) .
واذا تكلم احدنا يقول متحدثا عن نفسه عبدكم الفقير إلى الله...الخ من مظاهر التحقير والتقزيم..الخ 
 كنت أرى هذا السلوك عاديا إلى ان فتح الله بصيرتي بفضل السفر وتكونت لدي روح المقارنة بيننا وبين بقية الأمم فأدركت في أي درجات السلم نحن وحالنا يبكي الصديق والعدو واكذوبة (نحن التوانسة) يجب ان تتوقف حتى نلحق بمن فاتنا وندرك من كنا نضحك عنهم ونتندر بسلوكهم وفي هذا السياق سأروي ما حدث لي في معرض الرياض الدولي
طلبت مني صديقة تونسية ان اقتني لها كتابا من معرض الرياض فظننت الأمر سهلا اذ توجهت الى الجناح الذي يوجد فيه الكتاب وطلبت نسخة وسألت عن ثمنها فقيل لي انه يكلف حوالي 70 دينارا تونسيا ( وهذا طبيعي لأن الكتاب غير مدعم وال70 دينارا لا تساوي شيئا لأن عملتنا منخفضة جداً) 
هممت بتقديم المال ورقة ورقة فامتنع صاحب الجناح من تناولها وقال لي سيدي نحن لا نقبض مالا عليك ان تنقدني ببطاقتك البنكية فقلت له ان بطاقتي لا تدفع بالعملة الأجنبية فقال ابحث عن عامل من عمال المعرض يقبل ان تناوله أوراقا مالية ويدفع هو عوضاً عنك بالبطاقة البنكية.
اصبت بالخجل من نفسي وفهمت ان الخليجيين (Double Zéro) ممن كنا نتندر بهم قد سبقونا الى الحضارة بأشواط.  كل شيء عندهم يخضع إلى الخلاص الرقمي حتى السندويتش يشترونها بالبطاقات البنكية. 
تذكرت من يصطف أمام شباببك الستاغ والسوناد لتسديد فاتورات الاستهلاك وتذكرت ماقاله جدي أبن أبي الضياف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما زار المشير أحمد باشا باي فرنسا حيث قال: 
أن القوم سبقونا الى الحضارة بأشواط 
   

تعليقات