آليات تحليل الخطاب



محور الموضوع: التجارب المعاصرة في الدراسات الأدبية- آليات تحليل الخطاب

العنوان: اليقظة الثقافية في المشروع النقدي لمحمد مفتاح بين اقتضاءات المنهج ومُقَدَّراتِ النص




د. الزهرة براهيم- باحثة في المسرح والأنثروبولوجيا- المملكة المغربية

     

        "كل ثقافة لا تتعامل على نحو فاعل مع التغيير سيكون مآلها الانقراض"         المهدي المنجرة

   

     انطلق الباحث محمد مفتاح، نهاية سبعينات القرن الماضي، ولا زال، لإرساء مشروع نقدي رصين، راهن، بمقتضاه، على تسخير المناهج النقدية الغربية في مقاربة نصوص متنوعة من الثقافة العربية الإسلامية، قديمها وحديثها، شعرها ونثرها، مقدَّسها ومدنَّسها، وذلك بهدف تشريح النص دون قتل جِينَاتِه الثقافية وإحالتها إلى طور المسخ أو العدم. إن مخططه الفكري يضع الممارسة النقدية في قلب التحولات المجتمعية والحضارية حتى تَتَبَأَّرَ هذه الممارسة فعلا ديناميا يطوِّر أبعاد الرؤى، ويقوِّم انحرافات التمثلات، ويوسِّع صيغ التفكير، ويرسِّخ قيم التعايش.
   
     يَشِيدُ، من أجل هذا المطلب الفكري والحضاري، استراتيجية متكاملة تأسست، بدءا، على استيعاب المنطق الفلسفي، واسترفاد عقلانية العلوم البحتة لصياغة مفاهيم أداتية مُفَكَّرٍ فيها بعناية، إذ لم تقنع بمقولاتها المتداولة في حقل الدراسات النقدية الغربية، بل اجترحت لها مسميات خاصةً تتناسب وخصوصية الثقافة العربية المسكونة بروح العقيدة، وموروث الأمة المتلاقح من ثقافات عريقة ازدهرت بين بلاد الرافدين وجبال البَرَانِس. ليتحول، في اتجاه مطالب كونية دشنتها مرحلة "رؤيا التماثل" بطرح الإشكالات الحضارية الآنية الناجمة عن الصراع بين مقولات1 "التباين والتناقض والاختلاف"، التي نادت بها العقلانية المفرطة، ومقولات "التعايش والتماثل والانسجام" التي نادت بها العقلانية المعتدلة. فقد نبش في البنيات العميقة المادية والثقافية الأصلية للإنسان المتوسطي، من قبيل الاعتقاد في مركز العالم، وفي تصور انتظام معين للكون، وفي مكانة الإنسان فيه، وفي مفهوم الزمان، وفي تطور نهاية العالم، ومسألة التوحيد2. وهي بنيات امتدت إلى مجموع الجغرافيا المجاورة للمنطقة المتوسطية، وأثرت في ثقافتها، وصارت حقلا خصبا للمقاربات الأنثروبولوجية المقارِنة. وسنتناول مشروعه من خلال الآتي:
1-  كيف تيقظ محمد مفتاح إلى تكييف المناهج النقدية الحديثة، من البنيوية إلى الهرمنوطيقيا، ليستجيب النص العربي لأشكال الاستقراء والاستغوار التي تقترحها هذه المناهج؟
2-  ما هي خطته النقدية في تجريب أدواته المكيَّفة في تحليل الخطاب؟
3-  هل ينبئ منجزه النقدي التطبيقي عن انسجام وتوفق في استراتيجيته النقدية؟
4-  أية أسئلة تظل عالقة في هذا المشروع النقدي ارتباطا بالنسق الثقافي العربي والعالمي؟
    
    تقتضي متابعة مشروع محمد مفتاح النقدي تنويع دوائر التفكير، وتوسيع زوايا النظر إن نحن راهنا على بناء تصور شمولي حول خطة اشتغاله، وذلك في علاقتها بالنسق الثقافي المحلي والعالمي. أهم ما يميز هذه الخطةَ الديناميةُ والانفتاحُ في فهم قضايا الإبداع والواقع، بوعي نظري وحضاري  يفترضان، عبر حوار الثقافات، فك معضلات الإنسان الكبرى المتحكمة في الأنساق، بلا استثناء.


أولا، النظريات الأدبية في مشروع محمد مفتاح: سؤال الأجرأة
   
     لئن شكلت الدراسات اللسانية فاتحة عهد في قراءة النص، فإن الدراسات السيميائية المتطورة عنها دشنت مرحلة تشريح دقيق لأنسجته، واستحضرت مجموع أدوات يستجيب بمقتضاها إلى أشكال الاستقراء والاستغوار التي تقترحها هذه المناهج.
     
   يتأكد غنى النصوص العربية موجِّها أوليا وضع محمد مفتاح على محور نقدي شامل ومتطور، يمتد، حده الأول، إلى الموروث العربي إبداعا ونقدا، ودينا وتاريخا وتصوفا وفلسفة وموسيقى... بينما ينزع، حده الثاني، صوب مستقبل يُفتَرض أن يحوز داخله النقد الأدبي مكانة معتبرة تروم خلق توازنات حضارية مُلحَّة، غالبا ما يعجز التدبير السياسي والعسكري عن تحقيقها. ومن أجل تلبية هكذا مطالب فكرية، يؤسس مشروعا لا زال يتحقق، تباعا، بعدد من الكتابات التي تُقِرُّ «انحيازها لتوليد منهج خاص ومركَّب ظل يتطور باستمرار، وطُوِّع لمقاربة نصوص متباينة وظواهر مختلفة، تتراوح بين متون تراثية وحديثة، تنتمي لحقول دينية وشعرية وحكائية وموسيقية وتاريخية وفلسفية»3.
    
    وحيث يراهن على قراءة دقيقة ومبدعِة تُثَمِّنُ مخزون النص العربي بشكل موضوعي، فإنه يتوسل العُمْلات المفاهيمية المتحكِّمة في تداولات المدارس النقدية العالمية. لقد حرص على أن يتميز مشروعه «بطابع مركَّب ومتطور صاحبته الصرامة العلمية في توظيف المفاهيم والمصطلحات المستعارة وفي نحتها إذا كانت مبتكرة»4. يتأكد هذا الملمح التركيبي على مستوى وعيه بالمرجعيات الفلسفية المتحكمة في تَوَجُّهِ كل نظرية أدبية، ورصده ما هو مختلِف ومشترَك بينها حتى يحيط بالخلفيات الإبستيمولوجية للنظريات والتصورات، متحاشيا هِنات الجمع بين ما تنافرت أسسه وخلفياته، ثم انتقاؤه مجموع مفاهيم نَظَمَها في خيط رفيع حتى يشتغل بها بكيفية إجرائية ومنتِجة، من قبيل «الاتساق، الانسجام، التفاعل، التناص، التشاكل، النسق، التناغم، الدينامية، التشابه، الاختلاف، الأطر، المدونات، التوازي، التأويل المحلي، العوالم الممكنة، المقصدية، التشعب، المستوى القاعدي، المعرفة الخلفية، رؤيا التماثل، الشاهد الأمثل، النموذج الأمثل»5. فحين نتأمل تشعُّب هذا المخطط البحثي المُضْني، يبدو مجحِفا حصر نواياه وغاياته في أحياز النقود النصية المُسْتَنْفَذَة، لأنه ينفتح على دوائر أوسع، ويستجلي ما وراء النص، ولغته، وتجنيسه، وذبذباته الثقافية.
    
     نستعرض منجَزِه النقدي، بدءا من تحقيقه شعر لسان الدين بن الخطيب، وصولا إلى دراساته الحضارية6 فنجد أنه يقدِّم «كتابات منسجمة، تحمل مشروعها الفكري الذي يتجاوز إطار تحليل النصوص والخطابات من أجل الكشف عن الثوابت المتحكمة في الفكر البشري»7، ذلك أن منطلقه الأصل هو فلسفة انتظام الكون التي «دافعت عن تداخل الأنظمة واتحادها وانسجام عناصرها، وتشابه بعضها واختلاف بعضها، فإن الفلسفة الوضعية قد دعت إلى ضرورة خلق "وحدة تركيبية" بين جميع العلوم(...) من أجل دراسة "التعميمات العلمية" المستنِدة إلى عدم التقيُّد بتخصص محدد، وذلك بالبحث عن المبادئ العامة المشتركة بينها»8، كما ينتصر لفلسفة التماثل التي هي أساس فلسفة الاختلاف، إذ بالرغم من وجود تباين وتفاوت وصراع بين البشر حول منافع ومصالح تفرقهم، إلا أن ثمة «بنيات عميقة مشتركة»  توحد بينهم.
      
  يبني الباحث علاقته باللسانيات والسيميائيات على ما يسميه "نية الاستيحاء"9، لا على "نية التطبيق الكلي" لمبادئ أية مدرسة منهما. وهي نية تستبطن من العلوم والنظريات ما يستجيب لأسئلته النقدية، والفكرية، والحضارية. فمن الأكيد أنه استنتج أن «أية مدرسة لم تتوفق إلى الآن في صياغة نظرية شاملة»10 هو ما حذا به إلى استرفاد مفاهيم إجرائية من حقول متعددة، تستدعيها مطالبه البحثية وفق خطة أرادها توفيقية، لكنها جشَّمته ما سماه "مشاق ومزالق"، بالرغم من وعيه بأن اتباع نظرية واحدة يقي من "الانتقائية والتلفيقية"، إلا أن هذا الاختيار الأحادي لا يمثِّل، في حد ذاته، خلاصا للممارسة النقدية «إذا كان اللسانيون قد عجزوا عن إعطائنا قوانين للسيطرة على اللغة اليومية، فكيف يستطيعون أن يقدموا قواعد لوصف الخطاب الشعري؟»11، حيث بدت مواقف التيار التداولي -مع موريس في نظرية الذاتية اللغوية، وأوستين، وسورل، وكرايس في نظرية الأفعال الكلامية، والتيار السيميائي مع غريماس، والتيار الشعري مع ياكبسون وكوهن- مختلفة حيال أنواع الخطابات الأدبية، وكيفية دراسة الاستعارة، والتحليل بالمقومات، والنبر إلخ... فياكبسون، كما يراه محمد مفتاح «كان إسهامه حاسما في تأسيس النظرية الشعرية الحديثة، على أن أبحاثه اتسمت باختزال شديد»12 من حيث قوله بالمقابلة المتناقضة شعر/نثر اهتداء بوظائف اللغة التي حددها، ونضَّدها، لا سيما الوظيفة الشعرية. وفي هذا الصدد، يستبطن محمد مفتاح معين التراث البلاغي العربي ليختبر من خلاله مدى وجاهة دراسات الغربيين للاستعارة، فينتهي إلى «أن البلاغيين العرب استخدموا مفاهيم إجرائية تقرِّبهم من النظرية التفاعلية الحديثة، وهذه المفاهيم هي: الادعاء، والقرينة، والنسبة، والتعلق، والترشيح، والتجريد»13.
      
  يعي الباحث أن تضارب التيارات اللسانية، فيما بينها، يشوِّش على المشتغِل بمفاهيمها في قراءة النصوص، ويزداد هذا التشويش حدّة إذا لم يُدرِك المنطلقات الفكرية التي تؤسس القاعدة الخلفية لهذه الاتجاهات في علاقتها باللغة، وبالمتكلم، وبالمتلقي، وبالسياق النصي، والسياق التداولي، والسياق التاريخي، ذلك «أن هذا التبلبل النظري ليس إجرائيا وحسب، وإنما تحكمه خلفية فلسفية معلنة أو مضمرة».14 فاللغة عند تشومسكي وكرايس "محايدة وبريئة وشفافة"، بينما هي عن بارث وأضرابه "مخادعة ومضلِّلة وتُظهِر عكس ما تخفي". وهي عند الوضعيين والماركسيين تصف الواقع وتعكسه، لكنها، في نظر الجشتالتيين والشعراء، تخلق واقعا جديدا. ويختلف منظور هذه التيارات حول تحقق الخطاب: فالنظرية المقصدية عند سورل، تقول بأن الذات المتكلمة هي العلة الأولى والأخيرة في إصدار الخطاب، على خلاف نظرية التفاعل التي تركز على الهيأة المتلقِّية ودورها في إيجاد الخطاب وتكوينه. وعلى مستوى آخر، قَصَرَ المناطقةُ والعلماءُ إمكانات اللغة في الثنائية الضيقة القائمة على مفهوم المقابلة بين الشعر والنثر، وما يرتبط بالفعل الإبداعي من أشياء ونقائضها، بينما نادى الاحتماليون بثنائية موسَّعة تمتص الواقع الخارجي والواقع الداخلي لهذا الإبداع الذي اعتبره ميكائيل ريفاتير مجالا خصبا للتناول السيميائي.
ثانيا، من التنظير إلى الإنجاز سيرورة الاستيعاب وإشراطات التجاوز
      
  درس الباحث ما كتبه أصحاب هذه التيارات اللسانية والسيميائية مستحضرا الأطر المرجعية لكل نظرية أدبية، وما اقترحته من تصورات حول الإبداع، وحول المفاهيم النقدية الخاصة به، والمنسجمة مع طبيعة خطابه، ثم القوانين المتحكِّمة فيه. وقد تحقق غنى دراساته بفعل الكُلِّيات المؤطِّرة لمشروعه15. على هذا النحو، اتسعت كتاباته لتشمل نماذج تحكمها إما طبيعة فلسفية، أو بلاغية، أو تاريخية، أو اجتماعية سياسية، أو ثقافية. ويحرص، مهما اختلفت المتون المنتقاة للقراءة، أن يستنير بقولة إيمانويل كانط «كل نظرية بدون تطبيق هي نظرية عقيمة، وكل تطبيق بدون نظرية هو تطبيق أعمى»16.
      
  يهتدي الباحث، قبل تصوُّر استراتيجيته، بجرد شامل للمشاريع النقدية العربية في علاقتها بالمرجعيات الغربية، قبولا ورفضا، استئناسا واستبعادا، احترازا وانبهارا، وما تحقق من قيم مضافة، بمقتضاها، في قراءة النص العربي وتحليل خطاباته. وحيث يعي أن الامتثال لنظرية واحدة يَقْسِرُ الاشتغال النقدي لمخطط صلب لا يلين لمُقَدَّرات النص العربي -بوصفه نصا يتميز بتراكب عناصره الثقافية التي تمتح ثراءها وتشعبها من المعطى الجغرافي والتاريخي والسياسي والحضاري للمنطقة العربية منذ القدم- فإنه محَّص جميع النظريات النشيطة نقديا، لينتقل بعد ذلك إلى رسم خط سير يُبَلِّغُه أقصى تخوم النص الغربي، من غير تعثر أو انحراف أو انقطاع أو تيهان، ذلك أنه «ثمة عنصران لافتان في دراسات محمد مفتاح، أولهما شيوع المرجعية النظرية التي يستند إليها وتَعَدُّدُ روافدها، وثانيها التجدد المستمر لهذه المرجعية في ضوء نتائج البحوث في العلوم المعرفية، وعلم النفس، واللسانيات، وفلسفة الذهن»17.
   
     يعلن موقفه الكلي والمبدئي لإنجاز مشروعه مؤمنا بأن «اتجاهات البحث المعاصر تنحو نحو تحطيم الثنائية المانوية الحادة، وصوب فسح المجال أمام تعايش عدة عناصر(...) إن هذه النظرية الكلية الجامعة بين اللسانيات الوضعية والذاتية المستغلة لكل معطيات النص قربتنا خطوات في سبيل إدراك خصوصيات النص الأدبي، وهي: تراكم الأصوات، واللعب بالكلمات، وتشاكل التركيب، ودورية المعنى، وكثافة وخرق الواقع»18. ويبدو أن مفاهيم التشاكل، واللعب، والتناص، والتفاعل تمثل معالم واضحة في خارطته النقدية، ومقومات رئيسة في حواره مع النص العربي، وبهذا يراوح قراءاته بين قطبي الذاتية والمجتمعية، ليحافظ على وشائج النص المختلفة، فلا يبتر بعضها، ولا يميل إلى بعضها الآخر كل الميل فيذر النص كالمعلَّقة.
   
     يحرص في كتابيه "تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)"، و"دينامية النص (تنظير وإنجاز)" على ضمان عبور آمن للعدة المفاهيمية التي يتلقى بها النص العربي. فقد أفرد القسم الأول، من كتابه الأول، الذي يمتد على مائة واثنتين وستين صفحة، لعرض وتفسير المفاهيم التي سيوظفها في الكشف عن "بنية التوتر" و"بنية الاستسلام" و"بنية الرجاء والرهبة" في سياق استراتيجيته التناص التي تُبَنْيِنُ  قصيدة "الدهر الغَرَّار" للشاعر ابن عبدون في رثاء بني المظفر، بينما خصص، في كتابه الثاني، مدخلا نظريا19 أضاء فيه "دينامية النص" انطلاقا من الأسس العلمية، ثم الأسس الفلسفية والإبستمولوجية لهذا المفهوم، قبل أن يشتغل به20 على قصيدة "القدس" لأحمد المجاطي، ويقف عند مفهوم "الحوارية"21 في النص الشعري ذي العلاقة الوطيدة بمفهوم "التناص" لينتقل إلى الاشتغال بمفهوم "التناسل"22 في الخطاب الشعري مستثمرا "قصائد إلى ذاكرة من رماد" لمحمد الخمار الكنوني، ثم يقف عند سيرورة النص الصوفي23، يصفه ويبين مقاصده مستثمرا السيميائيات السردية لغريماس. ويصل إلى تحليل الصراع القصصي24 في حكاية "الظاهر الغابر" لأحمد بوزفور، محكوما بفكرة تجريب نسقه التنظيري على مختلف النصوص العربية، يقول: «اختبرنا المنهاجية السابقة على نصوص شعرية قديمة وحديثة، وسنحاول تمحيصها –أيضا- على نص قصصي لنتبين مدى ملاءمتها لمختلف الأجناس الأدبية. وسينصب اهتمامنا على محورين أفقي وعمودي.»25، لينتهي، ختاما، إلى دراسة "الانسجام في النص القرآني"26 من خلال مفاهيم "المقصدية"، ومفهوم "المماثلة والمشابهة"، ونوع العلاقة بين المفهومين للبرهنة على مبدأ شمولية الدينامية في الخطاب القرآني مهما اختلفت خصائصه البنيوية والوظيفية بين آيات القصص وآيات الأحكام «من خبر واستخبار وأمر ونهي ووعد ووعيد»27.
     
   اختار محمد مفتاح بناء علاقة نقدية مع المفاهيم التي ارتآها بوابات سالكة نحو تحليل الخطاب. يقف، بِتَأَنٍّ، عند مفهوم "التشاكل" isotopie)) الذي استعمله غريماس28 لأول مرة، لكنه قصر توظيفه على مضمون الخطاب دون شكل الخطاب، فالتشاكل عنده «مجموعة متراكمة من المقولات المعنوية (أي المقوِّمات) التي تجعل قراءة متشاكلة للحكاية، كما نتجت عن قراءات جزئية للأقوال بعد حل إبهامها»29. وإذا كان فرانسوا راستييF. Rastier  قد حدد "التشاكل" بأنه «كل تكرار لوحدة مهما كانت»30 فقد عمم المفهوم ليشمل التعبير والمضمون معا (تشاكل صوتي- تشاكل نبري- تشاكل منطقي- تشاكل معنوي)، حيث تبنت جماعة M هذا التوسيع، وعرَّفته، وناقشته، ثم اعتمدته في كتابها "بلاغة الشعر"، فإن محمد مفتاح يفحص جهد هذه الجماعة، أولا، وينتقده31، ليعلن نيته في بلورة إمكانات الاشتغال بمفهوم غريماس، متجنبا، بهذا الصنيع، نقله خامّاً إلى مختبر النص العربي، مقترحا، بدوره، توسيعا أكثر للمفهوم، ليُنَضِّدَ، بعد ذلك، مجموع مآخذ سجلها على غريماس، نقدمها، كما يلي32:
-         اقتصر غريماس على تشاكل المعنى الذي عبَّر عنه بـ "المقولات المعنوية" التي يتبناها أصحاب "التحليل بالمقومات"،
-         اقتصر على الحكاية، في حين أن التشاكل موجود ملاصق لكل تركيب لغوي،
-         اهتم بـ "المقال" دون "القول".
        لا يلغي الباحث جهود سابقيه ولا يمتثل إليها، أو يُسلِّم بيقينيتها، اعتباطا، بل ينطلق منها ليجعل مفهوم "التشاكل" إجرائيا أكثر في تفكيك النص، ثم التفاعل معه، وتمكينه من ولوج مختلف الأنساق اللغوية التي تعبر عن حاجات الإنسان النفعية أو الجمالية. ولأن محمد مفتاح يهتدي بالمنطق الجدلي، فإنه يستحضر نقيض المفهوم من أجل تثمين قيمتهdu concept)  (une mise en valeur ضمن آليات تحليل الخطاب، فهو يرى أن «التشاكل لا يحصل إلا من تعدد الوحدات اللغوية المختلفة، ومعنى هذا أنه ينتج عن التباين! فالتشاكل والتباين إذن لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر»33.
   
      يوسِّع، عبر استحضار مفهوم "التباين"، محيط تطوُّر وتَراكُب مفهوم "التشاكل" حتى يسع مختلف مستويات اللغة، ويخص اللغة المتداولة بين المتكلم والمخاطب، والسياق الذي يضمن –على حد تعبير الباحث- "سلامة التواصل، ونجاعتها، ووجاهتها". بهذا يحق تعريف المفهوم بأنه «تنمية لنواة معنوية سلبيا وإيجابيا بِإرْكام قسري أو اختياري لعناصر صوتية ومعجمية وتركيبية ومعنوية وتداولية ضمانا لانسجام الرسالة»34، والمفهوم ذاته يستوعب عنصر التناصIntertextualité ، لأن «أي نص مهما كان، ليس إلا إركاما وتكرارا لنواة معنوية موجودة قبل»35.
     
   لم يقف محمد مفتاح عند عتبة التنظير الخاصة بمفهوم "التشاكل"، لكنه بعد فحص طبيعة حضوره داخل المتصوَّر النقدي الغربي (غريماس، وراستييه، وجماعة M) يعيد بناء مفهوم موسَّع للتشاكل، لينزل به إلى مخبره التجريبي حيث يتم تشريح النص العربي به. وقد طبق ذلك على قصيدة الشاعر ابن عبدون36 التي مطلعها:
الدَّهرُ يُفْجِعُ بَعْدَ العَيْنِ بالأَثَرِ *** فَما البُكاءُ علَى الْأَشْبَاحِ وَالصُّوَرِ
على مستوى تشاكل الصوت، وتشاكل النبر، وتشاكل المعنى. ونجده، في هذا التطبيق، حريصا على استحضار المفهوم ونقيضه، إيمانا منه بأن اجتماع عنصري السلب والإيجاب يوفران دينامية المعطى النصي والقرائي معا. فهو «يتجه بالغاية من دراسة التشاكل والتباين الصوتي نحو تلمس معاني الأصوات وإيحاءاتها وإسهامها في المعنى العام باعتبارها عنصرا من عناصر البنية الشعرية»37. وإذ يُلِحُّ على مراعاة عنصر الصوت في سياقه المعجمي والتركيبي -من حيث التجاورات والمسافات الأفقية والعمودية انطلاقا من تشاكلاته وتبايناته (صائت/صامت- صوت لين/صوت شديد- صوت مكتوم/صوت منطوق- صوت حر/صوت مقيد إلخ...)، وعنصر النبر في تقابلاته (نبر أولي/نبر ثانوي)، ومستوى التركيب38 في تشاكلاته الجلية في تكرار مقولاته النحوية بين الصدر والعجز، وفي تباين أفعال الكلام وطبيعة اشتغال الاستعارة، سياقيا وجماليا، مقارنة بأبيات أخرى في القصيدة-  فإنما ليضم، بكيفية رياضية –جبريا وهندسيا- مجموع العناصر المؤهَّلة لتشييد أسلوبية صوتية ترتقي، بدورها، نحو رمزية صوتية تفتح أفق احتمالات المعنى، وتحرر تأويل الخطاب الشعري من سلطة المقومات، وذلك بناء على مدخراته الصوتية، من جهة، وعلى قدرة المتلقي في تفكيك هذه المدخرات، ثم إعادة صياغتها عبر قراءة جديدة ومغايرة بالنسبة إلى قراءات أخرى، من جهة ثانية. فالقراءة المبدعة للخطاب الشعري هي التي تسبر غور اللغة الموحية، ابتداء من مَعينها الصوتي، وانتهاء عند رمزيتها الثقافية. كما تصر على أن تفتح عبر "تشاكل" و"تباين" الأصوات عالما من المعاني والدلالات والرموز التي تمد جسورا آمنة بين الذاتي، والمجتمعي، والإنساني.
     
   يتجه تحليل الخطاب، في هذا المستوى، مثلا، نحو تسخير القراءة النقدية ليصبح الأدب مؤثرا في المجتمع، وخديما لغايات الإنسان الكبرى، لا ليظل رهين ممارسات تقنية استنفذت المنجز الأدبي في مقاربات حادت، بشكل مجحف، عن غايات الإبداع لتغيير واقع الإنسان نحو الأفضل، وأفرغت الأدب من رسالته النبيلة ليتحول إلى مادة تشريحية باردة تحت رحمة مَلَاقِطِ النقد ومَنَاقِيشِه، حيث صارت «قراءة القصائد والروايات لا تسوق إلى التفكير في الوضع الإنساني، والفرد والمجتمع، والحب والكراهية، والفرح واليأس، بل التفكير في مفاهيم نقدية تقليدية أو حديثة. في المدرسة، لا نتعلم عن ماذا تتحدث الأعمال الأدبية وإنما عن ماذا يتحدث النقاد»39.
ثالثا، المنجز النقدي لمحمد مفتاح في ميزان "ما بعد اللغة الثانية"
           نتساءل، في ضوء الحراك النقدي الذي أثارته كتابات محمد مفتاح، منذ ثمانينات القرن الماضي حتى اللحظة الراهنة، عمّاذا أضاف إلى المؤسسة النقدية العربية؟ وكيف راهن على التوفق بدل التعثر؟ وما رأي نقد النقد في هذا المشروع؟
           ننوِّه، بدءا، أننا في هذه الدراسة المقنَّنة بمساحة النشر، سنقف عند بعض من القضايا البحثية المتضمنة في منجزه النقدي وليس كلها.
           لا يفتأ محمد مفتاح يمارس نقدَ نقدِ النظريات الغربية النافذة في الساحة الأدبية، ولم يَرْكَن، قط، إلى النقل المباشر، أو التوظيف الطارئ، أو الاستثمار السطحي لتصوراتها ومفاهيمها، بتطبيقها حرفيا على النص العربي، بَلْهَ أن يتعامل معها من موقع دوني. لقد احترز، دوما، بحس علمي صارم، وذكاء ثقافي وثَّاب، وسبر موضوعي لمصادر المعرفة العربية، فاختط، بهَدْيِ هذه العدة، مسلكا واضحا وآمنا نحو المتون العربية المختلفة التي يفضِّل، دائما، أن يلجها من تخوم يونانية، وفارسية، ولاتينية توسيعا للمنظورات، وسَبْراً لأصول الفكر، ووقوفا على كلياته المؤسِّسة للخطابين اللاهوتي والفلسفي معا، حتى يمنح دراساته بعدا عالميا لا تطوِّقه الخرائط، والأزمنة، والذهنيات.
           يَعتبِر عدد من الباحثين العرب مشروع محمد مفتاح مشروعا نقديا مفتوحا يتبلور باستمرار، لأنه منذ انطلاقته أواخر سبعينات القرن الماضي، آمن بجدوى مواكبة الحركة النقدية العالمية، ومراوحة جهوده بين استيعاب النظريات واجتراح أدوات تناسب النص العربي، وتستثمر المنجز النقدي العربي القديم. فمجموع المفاهيم الغربية، من عهد يونان حتى عصور ما بعد الحداثة، مرت عبر مصفاة المعرفة البلاغية والنحوية عند الجرجاني، والسكاكي، وابن جني، وحازم القرطاجني، وابن دريد، وابن رشيق، والخطيب القزويني، وابن هشام، وجلال الدين السيوطي... والمعرفة الفلسفية عند ابن رشد والغزالي، والمعرفة الصوفية عند ابن عربي، والمعرفة الموسيقية عند الأصفهاني والحسن بن أحمد بن علي الكاتب، وغيرهم كثير.
        
   يحصَّن الباحث فرضياته بالحذر العلمي والمنهجي، فلم ينقد مع صيحات التجارب الغربية، توّاً، ويستجب لها استجابة عمياء يثيرها الانبهار العَرَضِيُّ بالعدة المصطلحية والمفاهيمية التي استعارتها النظريات الأدبية، جهلا، أو خطأ، أو تضليلا، أو"احتيالا بالثقافة"40 من مفاهيم محض علمية، تَنْشُطُ في حقول الرياضيات والفيزياء والكمياء والطب والبيولوجيا والجيولوجيا إلخ... بل مَحَصَ هذه العدة في حقولها الأصل، ثم في حقل النظرية الأدبية، وكيَّفَها وِفْق مطالب مشروعه النقدي حتى يُجنِّب النص العربي أي شطط في استعمال سلطة النقد، بأدوات لا تأخذ بعين الاعتبار خصيصاته اللغوية، نحوا وبلاغة وعروضا، والثقافية، فكرا وتراثا وتاريخا. وقد تبدَّى ذلك من خلال منجزه، كما الآتي:
-         انتقل من "التشاكل" كمفهوم أحادي، اقترحه سيميائيو الغرب، ليستحضر مفهوم "التباين" للكشف عن قيمة الأول عبر الثاني، وللبرهنة على أن ثنائية الظواهر والأشياء تصب في انتظام الكون وتناغمه، فما يبدو مختلفا ومتنافرا يؤول جزء من عناصره إلى التواؤم والانسجام.
-         يحسم سؤال الاستعارة باعتبارها "حد المسألة" في التركيب البلاغي، ويتجاوز النظرية الإبدالية التشبيهية -المحكومة بالتصور التقليدي في البلاغات القديمة اليونانية والعربية، القائل إن الاستعارة تحصل باستبدال كلمة حقيقية بكلمة مجازية- في اتجاه النظرية التفاعلية التي ترى أن هذه الظاهرة البلاغية والثقافية «تتجاوز الاقتصار على كلمة واحدة. إن الكلمة أو الجملة ليس لها معنى حقيقي محدد بكيفية نهائية وإنما السياق هو الذي ينتجه. فلا تنعكس في الاستبدال، ولكنها تحصل من التفاعل أو التوتر بين بؤرة المجاز وبين الإطار المحيط بها»41، لكي يضيف إلى اشتراطات "الانزياح" -التي قال بها جان كوهن، على مستوى تأرجح وعي القارئ بين «الذهاب والإياب من المعنى إلى فقدان المعنى، ثم من فقدان المعنى إلى المعنى»42، ثم على مستوى "الصورة العاطفية" للشيء موضوع الانزياح- استدعاء الشرط الثقافي، لأن الاستعارة، حسب ما يذهب إليه محمد مفتاح، سواء كانت اتفاقية أو مبتدعة، فهي نسبية مرتبطة بالبيئة التي تقع فيها، وتعكس ثقافتها.
-         يبلور أطروحاته الواردة في كتابه "الشعر وتناغم الكون: التخييل، الموسيقى، المحبة"، بعد خمس سنوات، في مؤلَّفه "مفاهيم موسَّعة لنظرية شعرية" التي تضعه على خط سير تيزفتان تودوروف ونعوم تشومسكي، أو ما يسميه الفيلسوف الألماني ثيودور أدرنو T W. Adorno "الأسلوب الأخير"43، حيث تخلصا من شرنقة النظريات الأدبية وتطبيقاتها، لمد خيوط رفيعة مع أسئلة حضارية تهم واقع الإنسان، ومطالبه المشروعة للتعايش الآمن، والسعادة العادلة. فمحمد مفتاح، بواسطة «تشييد نظرية شعرية موسَّعة بمنهاجية سيميائية»44 تبحث في تقاطعات ما سماه "ثالوث اللغة -الموسيقى –الحركة" يكشف فكرة التناغم الأصلي التي يظل مؤمنا بها كجوهر للوجود، من ثم «لا ينتكص أو يتراجع إلى الخلف، بل إنه يفاجئنا بإصراره الجسور على المزيد من الانفتاح على نظريات جديدة، وعلى علوم عويصة كالموسيقى وعلم الأعصاب»45، فهو يروم، في هذه المحطة المتأخرة من مشروعه الممتد «تكميل التقصير الحاصل في الدراسات السابقة للشعر التي أنجزها، واقتراح أطار فلسفي ونظري ومنهاجي أعم وأشمل لدراسة الشعر وتحليله أيضا ضمن الحقول الفنية الأخرى، كالمسرح والسينما والتشكيل والموسيقى»46 بما يتوافق مع تصوره منهاجا، وغاية.
  
       لا يفتأ محمد مفتاح مجتهدا يسترفد من الثقافة الفلسفية والنقدية الغربية والعربية، ويطوعها، تكييفا ومواءمة ونحتا، لمقاسات النص العربي، ويحاور قضايا ومفاهيم النقد الغربي بنظائرها أو بغيرها، مِمَّا ورد في الموروث النقدي العربي ولم يَرِدْ في غيره، تحذوه، في كل ذلك، يقظة ثقافية تحررت من تقديس أو تحقير النماذج -كيفما كانت، نصوصا أو أنساقا- كي يستثمر، بجرأة موضوعية، عُدَّة مفاهيمية من مختلف حقول العلوم البحتة والعلوم الإنسانية ليبلور أدوات القراءة، والتفكيك، والتأويل، والتشييد، فإن أحد الدارسين يرى أن الباحث «إذا كان في "سيمياء شعرنا القديم" و"تحليل الخطاب الشعري" جعل المادة المدروسة، وكأنها ليست غاية في ذاتها، إنما فقط مادة للتطبيق، ودعوة  من أجل إثبات "صلاحية النظرية" فإنه، في "دينامية النص" استغرق في الأمر، وأخذته لذة البحث في "أصول" و"أسس" متنوعة، جرَّته إلى ما تنطوي عليه من مصادرات، بدل أن يستخلص ما كان انتواه»47، وبالتالي، فإن ما رآه دارسون آخرون في مشروع محمد مفتاح من توفيق في بناء استراتيجية تتطور وتتكامل عبر منجزه النقدي الممتد على ما ينيف عن ثلاثة عقود ونصف، فإن عبد الله إبراهيم يدرجه ضمن التجارب النقدية العربية التي تورطت، بدرجات متفاوتة، في استرفاد النظريات الأدبية الغربية تصورات ومفاهيم لقراءة النص العربي، لذلك استنتج أن ما قامت عليه هذه التجارب من «مضاربة الآراء والنظريات، وكشف النظم المعرفية، بوساطة المضاهاة والاختيار والانتقاء، أمرا غاية في الخطورة، ليس على صعيد الإجراء، وإنما على صعيد الممارسة التحليلية التي توظف النتائج في سبيل قضية محددة، فالموجِّهات الخارجية تظل أمينة على ما تنطوي عليه من رؤى ومنظورات، والأطر العامة قد تضلل الباحثين، بأنهم وضعوا أيديهم على سر ما يريدون الوصول إليه، ويبدو الأمر، وكأنه نوع من "السباحة الحرة" في "بحر آخر"»48.
رابعا، من سؤال النقد الأدبي إلى نقد الهَيُولَى الثقافية
        يُجْمِعُ المهتمون بمشروع محمد مفتاح أنه منذور للتطور والانفتاح على قضايا جديدة، وبالتالي، فإن الحديث عن الأسئلة العالقة في هذا المخطط النقدي، لا سيما تلك المرتبطة بالنسق الثقافي العربي والعالمي، ستجد، حتما، إجابات موضوعية لها في كتابات الباحث القادمة. لكن ثمة ملاحظات تعن لنا في هذا الإطار، وتوجِّهنا لمساءلة وجهة محمد مفتاح من قضايا قديمة جديدة تتعلق بدور كل من العقل والتصوف في تحرير 
الإنسان مما يرهن حياته للشقاء والتخلف واليأس.
1- أثر طبيعة العقل العربي في مشاريع التغيير المجتمعي والحضاري
        
      من المظاهر الصحية في المنجز النقدي المغربي اتصاله، بشكل محايِث، بالأطاريح الفكرية لمفكرين مغاربيين، أمثال محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، وعبد الله العروي، وطه عبد الرحمن، استئناسا برؤاهم لتحليل أنساق متراكبة، يتعالق فيها الإبداع بالتاريخ بالفلسفة بالإيديولوجيا، لأن هذه العناصر، المتجذرة في ماضي الأمة، تلعب دورا رئيسا في تشكيل وعي المجتمع حاضرا، وتستشرف صيغ تواجده مستقبلا.
              أثارنا، في هذا الخصوص، الموقف المتعارض بين محمد عابد الجابري، فيلسوفا ومنظِّرا للعقل العربي، ومحمد مفتاح منظِّرا وناقدا لما يبدعه هذا العقل في حقل العلوم الإنسانية. يندرج ذلك في سياق قناعة كل منهما بخدمة الوطن والكيان العربيين، خاصة، والإنسان، عامة، وتخليصه من ربقة ماض يسحبه نحو منحدر التخلف أكثر مما يضعه على سكة صحيحة في اتجاه التقدم الشامل.
              يؤمن محمد عابد الجابري في مشروعه الفلسفي بقيمة العقل، أولا، بصفته مادة التفكير أي جوهر وهَيُولَى يتدخل في عالم الطبيعة المادي فيشكله ويعدد مظاهره، ويُعْلي شأن "العقل البرهاني"، ثانيا في مقاربته تاريخ العقل العربي، ويُخْلِصُ لقناعاته الأرسطية حتى يجنِّب هذا العقل مزالق ما يسميه "اللامعقول العقلي"، متمثِّلا في "العقل العرفاني" الذي كرسته الهرمسية في الثقافتين الإسرائيلية والعربية. وهو صنف من "العقل المستقيل" يُسَلِّم بفكرة «عجز العقل البشري عن تحصيل أية معرفة عن الله من خلال تدبر الكون، الشيء الذي ينتج عنه أن معرفة الإنسان للكون يجب أن تمر عبر اتصاله المباشر بالحقيقة العليا: الله»49، ولا يرى الجابري، أيضا، قيمة تُذْكَرُ "للعقل البياني" المنحسِر في دراسة «الخطاب القرآني الذي نزل بلغة العرب ووفق أساليبها في التعبير والإفصاح. والهدف تقنينه، أي تحديد علاقة المبنى بالمعنى انطلاقا من أن البيان أصول وفروع، وأن العلاقة بين الأصول والفروع تضبطها اللغة العربية، وأن التباس هذه العلاقة وتشعبها إنما يحصل "عند من يجهل لسان العرب". أما مجال الاهتمام فمحصور في دائرة الشريعة، دون العقيدة»50. ويحلل صاحب "نقد العقل العربي"، انطلاقا من الخطاب الحجاجي القرآني، طبيعة «منطق البيان العربي الذي يعتمد القياس والتشبيه والتمثيل»51.
              في مقابل هذا الطرح، يتجه محمد مفتاح نحو الاعتراف بالعقل العرفاني ضمن مساحات محددة -تؤثثها نصوص الصوفية الذين استأثر فكرهم بأطروحته الأولى، فامتدت في دراساته اللاحقة- حيث لم تخل منه مرحلة من تاريخ الفكر المغربي. فهو يرى أن الجابري الذي أعلى من شأن "البرهان" مقابل "البيان" و"العرفان" «يؤمن بدور ثقافة النخبة في التغيير المجتمعي وفي القيادة إلى التقدم دون سواها، وأما الثقافة الصوفية فهي ثقافة الدهماء أو ثقافة العقل المستقيل، وهذه الوجهة في النظر لا تخلو من صحة، ولكنها مختزلة ومشوِّهة للظواهر الثقافية المجتمعية. فكل خطاب ثقافي كان يقوم بدوره»52. لا بأس أن نقف هنا لنقول: ما الدور الذي قام به الخطاب الصوفي، تاريخيا، على امتداد الخارطة الإسلامية لرفع التحديات الحضارية المشروطة بالعلم والتحكم في طبيعة الوجود المادية من أجل سعادة البشر؟ فابن عربي أيقونة الفكر الصوفي، الذي تبلورت رؤاه لتبلغ في "التجليات الإلهية" «فكرة وحدة الوجود خلافا للثنائية بالأحرى للتعدد، حيث يعود كل شيء إلى واحد يجمع الله والكون الذي خلقه، ومنه الوجود»53 لم تجب "حالاته" و"مراقيه" و"تجلياته" عن إشكالات الوجود، ولم تقدم حلولا نهائية لشقاء البشر! إنما، خلافا لذلك، نشرت ممارسات خاطئة، وبدع أضرت بالدين والعقل سواء بسواء.
        لا يقتصر محمد مفتاح على الاستدلال بدور التصوف المغربي والعربي في خلق توازنات مجتمعية ودينية وسياسية في مراحل عصيبة عاشها المغاربة والأندلسيون، بل يوسع دوائر بحثه في كتابه "رؤيا التماثل" إلى التصوف اليوناني الذي أسس البنيات العميقة المادية والثقافية للإنسان المتوسطي ومن جاوره، من ضمنها "الاعتقاد في مركز العالم، وفي تصور انتظام معين للكون، وفي مكانة الإنسان فيه، وفي مفهوم الزمان، وفي تصور نهاية العالم، ومسألة التوحيد". إنه يذهب في اعتقاده بقوة الخطاب الصوفي وأثره إلى أبعد من ذلك حين عمد إلى «استكناه حقيقة الأساس الأنطولوجي الوجودي واللغوي البنيوي الذي يجعل الكتابة الصوفية (نثرا وشعرا) تجربة في التمثل الجمالي للعالم، وفي القدرة على تجسيد الحضور الأرقى للقدسي والمتعالي في الكوني والإنساني»54.
        فهل يبحث محمد مفتاح -من خلال قضايا الفكر الصوفي التي لامست، روحيا وعَقَدِيًّا، فكرة اللوغوس، والديانات السماوية، والموقف من العقل، وبناء الوجود على ثنائية الحياة/الموت، والخير/الشر، والجمال/القبح إلخ...- عن جسور بين الثقافات المتوسطية (اليهودية، والمسيحية، والإسلامية) كيفما اتفق، حتى وإن كانت هذه الجسور لا تقوم على الأسس العقلية القريبة من الحقيقة والمنطق البرهاني الضامن، نسبيا، توازن الأنساق وسلامة التواصل وتكافؤ التعايش بينها؟ لاسيما أن الباحث يعترف بوجود مطامع سياسية -يشحنها التمركز حول الذات، والتراتبيات الحضارية التقليدية القائمة على الدين والعقل والفلسفة والروح- فهو إن رآها "عَرَضِيَّة لا تمس الجوهر الذي يوحِّد هذه الثقافات، فإن واقع الحال يدحض أطروحته من حيث مدخلات سلطة العقل ومخرجاتها، ومن حيث إجرائية التفكير البراغماتي في تدبير مشاكل الإنسان مقارنة بالمسلكيات الروحية التي ليست سوى «خطاب تنويم ميغناطيسي وتغييب مستمر للوعي»55 يؤكد، باستمرار، عدم جدواه داخل وضع عالمي لا تتحكم فيه سوى ميكانيزمات العقل النفعي، والفكر العلماني الذي دحر الروحانيات إلى منطقة الظل في المشهد الحضاري المعاصر. فحين يصل إلى خلاصة مفادها أن الداروينية الشعبية، والماركسية الحرْفية، والنظريات السياسية النفعية، وانتشار أطروحات البقاء للأصلح، وصراع الطبقات، وصراع الحضارات والثقافات هي ما أجهز على مناخ التعايش بالمجال المتوسطي، ففيم سيفيد المجتمع المغربي، مثلا، في الألفية الثالثة، استرجاع مراقي التصوف عند ابن عربي من "محبة" و"سريان" و"حياة" و"تجاذب" و"استحالة" و"اتصال".. وهذا المجتمع قد فصم عراه مع العقل، سبيل التطور الحقيقي، وارتهن إلى روحانيات غامضة تقوم بالدعاية لها زوايا، يدعمها النظام والإعلام المغربيين، مثل "الزاوية البودشيشية" التي صار ملتقاها السنوي حدثا عالميا، لا نكاد نحصل منه على أية قيمة مضافة تخلِّص المجتمع المغربي من براثن الأمية، والجهل، والفقر، والعنف، والتطرف، ومختلف أشكال الفساد المدني والأخلاقي.
        ماذا يُنتِج التصوف لمجتمع العقل والمعرفة؟ وهل نحن بحاجة إلى ترسيخ العقل البرهاني أم تشجيع العقل المستقيل لننفصل بشكل كارثي عن المجتمعات المعاصرة؟
        تستمر ثنائية الفكر العقلاني عند ابن رشد والفكر اللاعقلاني الذي ارتد إليه أبو حامد الغزالي- متمثلة في التنازع بين النظر الفلسفي والكلام اللاهوتي- ملمحا يدمغ الخطاب النقدي الذي بدأت دوائر اهتمامه تتسع، عند عدد من المفكرين العرب، لاحتواء إشكالات حضارية ملحَّة من خلال الانتصار للعقلانية، أو التبشير بالفكر الصوفي كعصا سحرية تحل معضلات العالم وتغسل البشرية من ذنوبها وتشفيها من آلامها، فمنهم من «رأى في التصوف عامة –وفي القول بوحدة الوجود خاصة- مفتاحا وأرضية للتعامل مع الفكر والتراث والثقافة، أو بالأحرى رأى فيهما تعبيرا أسمى عن مفهوم "رؤية العالم"»56. إلا أن قياس آثار هذه الدعوة على أوضاع المجتمع المغربي، مثلا، تؤكد أنها لا تقدم حلولا ناجعة لمشكلات استشرت اجتماعيا وسياسيا ودينيا، دليلنا على ما نقول هو اتساع رقعة الفكر الداعشي بين الشباب المغاربة، ذكورا وإناثا، بشكل، سريع وخطير، يؤكد فشل الفكر الصوفي، وخيبة المؤمنين به، في خلق توازن عَقَدِيِّ وإيديولوجي لدى هؤلاء الشباب، ويصرفهم عن الانقياد الأعمى نحو التطرف. فلا يكفي التبشير النظري بمبادئ التصوف، وافتراض عوالم التعايش والمحبة بدعوية وجدانية لا تستند إلى دعامات عقلية، أو إفشاء رؤية الاستكانة الدنيوية واعتناق مسلك التقية، ونسيان مطالب الدنيا قاطبة والزهد فيها، لأن الإسلام دين ودنيا، وهبة العقل التي من الله بها على الإنسان تشريف له عن باقي المخلوقات، وتكليف يجعله مسؤولا عن تدبير وجوده وفق مبادئ الخير التي نص عليها الإسلام نفسه. وبالتالي، فإن أهمية العقل البرهاني التي آمن بها الجابري بداية ثمانينات القرن الماضي، والتي اعتبرها محمد مفتاح " مختزلة ومشوهة للظواهر الثقافية المجتمعية"، تطرح نفسها ثانية، في ظل موجة التطرف والإرهاب الذي لم يسلم منه المجتمع المغربي، لكي نفهم لماذا «نحتاج إلى كثير من المروءة وإلى كثير من العمل الصالح ، أما  قيم "الطاعة" والخنوع ونشدان "سعادة" فردية موهومة أو الفناء" في المطلق والهروب من الدنيا، فلست أظن أنها قادرة على جعلنا أكثر قوة واستعدادا لمواجهة التحديات التي يطرحها عصرنا»57. إن اعتراف محمد مفتاح بالمكوِّن الصوفي داخل المجتمعات موقف موضوعي، لكن التسليم بدوره الفاعل في المشهد الاجتماعي والسياسي، يظل محض ادعاء، فهو لم يحقق التوازنات الصحيحة المنشودة بقدر ما وسع دائرة الجهل، والاتكال، والعدمية، والابتعاد عن مبدأ مسؤولية العقل التي قال بها الدين الإسلامي وبنى الجابري عليها تصوره لمجتمع يفترض أن يقطع مع "عقله المستقيل" ليلحق ركب الحداثة. فهل يسعى محمد مفتاح إلى الاقتراب بوصفه مثقفا نخبويا إلى الاقتراب من «الثقافة العضوية في المجتمع العربي التي هي الثقافة الشعبية»58 فيتحرر، بالتالي، من أزمة المثقف العربي الذي، بسبب تكوينه المجرد، يميل إلى اعتناق أي مذهب في السوق، ويسقط في «الانتقائية التي لا تمثل ظاهرة انفتاح وتوازن بقدر ما تشير إلى استقلال المثقف عن مجتمعه وعدم تأثيره فيه»59؟!
2- تزفيتان تودوروف ومحمد مفتاح: من تفكيك النص إلى تفكيك العَدَاء الإنساني
        يستدعي هذا النقاش، على مستوى آخر، عقد مقارنة بين محمد مفتاح، الناقد المغربي، وتزفيتان تودوروف، الناقد البولوني- الفرنسي. فهما يتقاطعان على مستوى التجربة النقدية والهواجس الثقافية. فقد بدآ مسارهما البحثي مهتمين بقضايا الأدب والنقد، لينفتحا، برؤية أعمق، على قضايا الحياة اليومية داخل بلدان تتعايش فيها إثنيات، وجنسيات، وديانات، ولغات، وأعراف مختلفة، كما هو الحال في دول غرب أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، أو تلك التي تتوزعها تيارات إيديولوجية تقف على طرفي نقيض، كما هو الحال في الدول العربية. إن تطارح هذه القضايا الشائكة ضروري وحاسم في اختيار النموذج المجتمعي المأمول بعيدا عن التطرف والعنصرية والإرهاب المادي والرمزي.
         يتجه الناقدان، بعد مراسهما الطويل مع الأدب وقضاياه النقدية، نحو أسئلة كبرى تمس الإنسان المعاصر دون استثناء. إن منجز عقود طويلة من تحليل البنيات الفوقية ساعدهما لاقتراح بدائل لما ينبغي تجاوزه أو القطع معه، نهائيا، داخل أنساق الثقافية في سبيل مد تشييد جسور تسمح بالعبور في الاتجاهين من أجل لتعايش الإنساني المتناغم، ونبذ مختلف صيغ التطرف والعنف الذي يعصف بمجتمعات تتراكب فيها أسباب التخلف، وتتداخل فيها فهوم التقدم، وتتضارب فيها مرجعيات الهوية والعلاقة بالغير.
         يفسر تودوروف60 مسألة توالي أعماله بين كتابات في الفن والأدب، وكتابات بصدد الحياة المشتركة، ثم العلاقة القائمة بين هذين الجانبين في أعماله الفكرية بأنها علاقة تعاقب ومواكبة لرصد إشكالات حضارية جسيمة تتبدى في السلوك اليومي لأفراد وجماعات يعيشون داخل جغرافيا سياسية واحدة، إلا أن اختلافاتهم الثقافية تطفو على سطح النسيج الاجتماعي لتخفي المشترك الإنساني بينهم، فيكون ذلك سببا في بروز مشاعر عنصرية، ومواقف إقصائية تُشْعِل "حروبا حضارية" مستدامة.
        تطفو على المشهد الحضاري الحديث دعوات متعصبة، لنماذج ثقافية بعينها، بلغت شعاراتها حد العنصرية ونبذ النماذج المغايرة، في حين «يكمن جوهر الحضارة في الاعتراف بالإنسانية الكاملة، وبالتعدد الثقافي للآخرين، فالحضارة قائمة إجمالا على الانفتاح، وليس على الانكفاء والتقوقع»61، وبما أن النظر العقلي، والتناول المنطقي للظواهر والقضايا، يصبح ضرورة وجودية للتخلص من النزعة المذهبية الضيقة والكليانية المهيمِنة، والانحياز الطائفي ذي المنحى الإثني، أو الديني أو السياسي أو الإيديولوجي62. داخل هذا التصور الشامل لمجتمع يصير بديلا لمجتمعات تهز كيانها صراعات ثقافية، يستعيد الأدب المستنير بالنقد رسالته الطبيعية، فإذا «أراد الفنان أن ينتج رسالة ذات توجه كوني، عليه أن يبدع دون أن يعيد إنتاج الواقع بشكل خاضع ومبتذل، ودون أن يكتفي، في الآن نفسه، بالتعبير عن فردية أكثر إغراقا في الاختلاف»63.
        فهل يكفي دعاة التعايش الحضاري، من عرب وغربيين، انتقاد "أعداء الديموقراطية الحميمون"، المرعوبون من "البرابرة" كما سماهم تودوروف، أم يتطلب الموقف الارتقاء بالعقل النقدي، لدى هذا الطرف وذاك، حتى يتأسس الحوار والتعايش على لبنات متينة ومتماسكة؟ وهل يستطيع "العقل العرفاني" فهم فلسفة الجدران الواقعية (جدار برلين- جدار إسرايل- الجدار الحديدي بين الكوريتين- الجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك- سياج سبتة ومليلية- الجدار العازل للمنطقة الخضراء ببغداد إلخ...) والجدران الافتراضية من قبيل تأشيرات المرور وشروط الهجرة إلى البلدان المتقدمة، وهي كلها جدران عازلة نصبت خوفا من "البرابرة" وتتسع خطتها لابتكار حواجز جديدة في مستقبل الأيام؟ لأنها حواجز رمزية بين عالم متقدم يقدس العقل وعالم متخلف تخلى عن العقل.
        يتجذر، داخل الثقافة المغربية المنتمية تاريخيا إلى النسق الثقافي العربي الإسلامي، ذلك الصراع التاريخي الذي حكم الثقافة الغربية إلى حدود عصر الأنوار، لكنها سعت إلى حسمه عبر إقرار المبادئ الكبرى والمثل العليا للجمهورية الأولى في فرنسا التي صارت مرجعا للديموقراطيات المعاصرة. وهو صراع احتدم بين فكر فلسفي قاده بيلاجيوس، وفكر لاهوتي تكلم به القديس أوغستين حول إرادة الإنسان في تدبير العالم ومصير البشر «وسيستمر هذا الصراع في أشكال مختلفة، طوال تاريخ البشرية. من جهة، يدافع أنصار النزعة الإنسانية، المتفائلون الثوريون، عن إحكام السيطرة على مصيرنا. ومن جهة أخرى، يطالب المحافظون، الخاضعون المتواضعون، بالخضوع لتعاليم الكنيسة الأم، وللسلطة الملكية، حيث يعتقدون أنه إذا كان مقدرا للإنسانية أن تنال الخير الأسمى، فهذا لن يكون إلا في العالم الآخر»64. فكيف يمكن للنقد الأدبي، الذي ينتمي إليه مشروع محمد مفتاح،  بحيث اتسعت دوائره إلى النقد السياسي والاجتماعي، أن يخلق توازنات حضارية بين اتجاهات فكرية متناقضة إلى درجة العداء والعنف ثم العنف المضاد؟
      
  للنقد وظيفتان أساسيتان، أولاهما، متابعة المنجز الإبداعي ودراسته، أما ثانيتهما «فهي خلق تيار من الرؤى الجديدة، والأفكار الثقافية، التي ترفد حركة الإبداع، وتضع الحركة الثقافية المحلية، في وسط العصر الذي تعيش فيه (...) فليس على النقد أن يقنع بدور التابع لما يدور في الواقع الثقافي، أو حتى المشارك في فعاليات هذا الواقع، وإنما عليه أن يطمح إلى القيام بدور ريادي فيه من خلال دراسة النقد لما يدور في شتى الثقافات الإنسانية الأخرى، وتقديم ما يرى أن احتكاك ثقافته به يفيد هذه الثقافة، أو يلهم مبدعيها، أو يطرح بعض الحلول لما تواجه من مصاعب، أو مشكلات. وبهذا يساهم النقد لا في إثراء ثقافته وحدها، وإنما في عقد حوار خلاق بينها وبين غيرها من الثقافات الإنسانية كذلك»65. يتشرب تودروف هذه الوظيفة الثانية للنقد، انطلاقا من معاينته اليومية لأسلوب العيش الفرنسي الذي صار يعني كل هذا المزيج من الأقوام والثقافات العابرة إلى فرنسا من كل القارات تثبت أنه «لا يمكن للحضارة أن تقتصر على ثقافة واحدة. إنها ليست سمة ثقافية خاضعة على نحو صارم لعادات وتقاليد، بل تشير الحضارة إلى حالة ذهنية قابلة للانصهار مع كافة الأشكال الثقافية»66 مما يستدعي إعادة النظر في مفهوم الحضارة الذي آمنت به المركزية الغربية وهيمنت به على العالم طيلة قرون.
    
    نقول، بعد تناول بعض قضايا النقد الأدبي والحضاري في مشروع محمد مفتاح، إنه بالقدر الذي يؤمن بصرامة العلم ودقته على مستوى المنهاج، يستبيح قبول خطابات "العقل المستقيل" ليس على مستوى تحليلها، وتفكيك آليات اشتغالها، وإنما على مستوى التبشير بمقولاتها لخلاص العالم من آفاته الحضارية، وذلك في وقت تشتد حاجة "المجتمعات غير المصنَّفة"، كما هو الحال بالنسبة إلى المجتمع المغربي، إلى عقلانية عملية، وعلمانية خالصة تفصل سلطة الدين عن سلطة السياسة لاجتثاث أورام اختلاطهما.
        ومهما اختلفت الآراء حول مُنْجَز هذا الباحث الجريء، فإنه تناول النص العربي والثقافة العربية بأدوات علمية رصينة، وباعد الهوة الفكرية والتاريخية بين الأنساق النقدية غربا وشرقا. وقد خلصنا في هذه الدراسة، إلى الآتي:
1-    يتأكد هذا المشروع كواحد من التجارب النقدية النسقية القائمة على مبدأي التنوع والشمول، ويتزود بطاقة الاستمرار والانفتاح على القضايا الحيوية في المحيط الحضاري الإنساني،
2-  لا يقدس الباحث طروحات الباحثين الغربيين، بل يناقشها، ويدحض ما لم يستقم منها لمشروعه،
3-  يبلور رؤى هؤلاء النقاد تصحيحا، وإضافة، وإبداعا، ونحتا، فلا يستكين إلى أي من مسلمات النقد، بل يؤمن بالتجربة القائمة على التطبيق المنهجي،
4-  يستحضر ما قد يعتري قراء كتبه من تشويش نظري، فيعمد إلى تطويع الفهم بمداخل نظرية تحدد أطره المرجعية، وتعرِّف عدته المفاهيمية، وتضيء خطة اشتغاله للدارسين وللطلبة الباحثين.
5-  لا يتردد في تجريب مُقترَحه النظري على نصوص عربية من أجناس مختلفة، فيتجاوز محدودية التطبيق كما وردت عند غريماس، ويكشف تفاعل مُقَدَّرَاتِ هذه النصوص مع كفاءات القارئ،
6-  يبوِّئ الموروث النقدي النحوي والبلاغي العربي مكانة مائزة تتقدم، في مفاهيمها، عن النقد الغربي المعاصر، وتوسِّع التبادلات النقدية لتصل إلى ضبط المتعاليات الثقافية الموحِّدة بين الأنساق،
7-  يرسِّخ، بمسألة "النحت" من مادتي النقد الغربي والنقد العربي القديم، التبعية الفكرية، وثنائية "الأصالة/المعاصرة" التي تظل مفارَقَة معقَّدة تربك النسق الثقافي العربي الإسلامي،
8-  يردُّ الاعتبار للفكر الصوفي ضمن النسيج الثقافي، لكنه يتحامل على منظور محمد عابد الجابري الذي تتأكد جدواه، راهنا، مع توالي التحولات المجتمعية في المغرب والعالم العربي الإسلامي،
9-  إن اعترافه بهذا المكون الصوفي لا يعني نجاعته في حل المعضلات المجتمعية الراهنة كما يبرهن على ذلك واقع التصوف وآثاره التي لا تنفك تتراجع بالذهنيات المجتمعية نحو الاتكال والعدمية.
هوامش الدراسة:
1-     د. جمال بندحمان- أسس المشروع الفكري لمحمد مفتاح: الأنساق الدينامية وفلسفة انتظام الكون- ضمن كتاب: محمد مفتاح المشروع النقدي المفتوح- تنسيق د. عبد اللطيف محفوظ ، د. جمال بندحمان- الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان- منشورات الاختلاف، الجزائر، الجزائر العاصمة- الطبعة الأولى 2009- ص 20.
2-     محمد مفتاح- رؤيا التماثل- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، المغرب- الطبعة الأولى 2005- (أنظر مقدمة الكتاب).
3-     محمد مفتاح المشروع النقدي المفتوح- تنسيق د. عبد اللطيف محفوظ ، د. جمال بندحمان- الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان- منشورات الاختلاف، الجزائر، الجزائر العاصمة- الطبعة الأولى 2009- ص 7.
4-     نفسه، ص 7.
5-     د. جمال بندحمان- أسس المشروع الفكري لمحمد مفتاح: الأنساق الدينامية وفلسفة انتظام الكون- ضمن كتاب: محمد مفتاح المشروع النقدي المفتوح- تنسيق د. عبد اللطيف محفوظ ، د. جمال بندحمان – مرجع مذكور- ص 17.
6-     أنظر: أ- محمد مفتاح- فلسفة انتظام الكون ومكانة الإنسان فيها، نماذج من فكر الغرب الإسلامي- مجلة المناهل، وزارة الشؤون الثقافية المغربية- السنة 26، عدد 68، يوليوز 2003.
ب- محمد مفتاح- مفاهيم موسعة لنظرية شعرية: اللغة- الموسيقى- الحركة- الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2010
7-     د. جمال بندحمان- أسس المشروع الفكري لمحمد مفتاح: الأنساق الدينامية وفلسفة انتظام الكون- ضمن كتاب: محمد مفتاح المشروع النقدي المفتوح- تنسيق د. عبد اللطيف محفوظ ، د. جمال بندحمان – مرجع مذكور- ص 18.
8-     د. محمد مفتاح- دينامية النص (تنظير وإنجاز) المركز الثقافي العربي. الطبعة الثانية، حزيران 1990- ص 5.
9-     محمد مفتاح- تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء المغرب- الطبعة الثانية- 1986- ص 7.
10-  نفسه، ص 7.
11-  نفسه، ص 13.
12-  نفسه، ص 12.
13-  نفسه، ص 87.
14-  نفسه، ص 14.
15-  محمد مفتاح- المشروع النقدي المفتوح- تنسيق: د. عبد اللطيف محفوظ- د. جمال بندحمان- مرجع مذكور- ص 21.
16- Kant. Immanuel- Critique de la raison, pratique… Fondement de la métaphysique des mœurs- Paris 1848- Librairie philosophique de LADRANGE. P. 12.
17-  خالد بلقاسم- البناء النظري عند محمد مفتاح واستراتيجية التوسيع- ضمن كتاب: نظرية الشعر- قراءة في كتاب "مفاهيم موسَّعة لنظرية شعرية" للأستاذ محمد مفتاح- تنسيق: أحمد بوحسن- محمد الوهابي العلمي- منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة محمد الخامس أكدال- الرباط- المملكة المغربية- سلسلة: كراسات الكلية، رقم 4- الطبعة الأولى 2013- ص 171.
18-  محمد مفتاح- قراءة في تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، مرجع مذكور- ص 15- 16.
19-  د. محمد مفتاح- دينامية النص (تنظير وإنجاز)- الطبعة الثانية: حزيران 1990- المركز الثقافي العربي- بيروت، لبنان- الدار البيضاء، المغرب- ص 7- 59.
20-  نفسه، ص 7- 45.
21-  نفسه، ص 81- 102.
22-  نفسه، ص 103- 122.
23-  نفسه، ص 129- 156.
24-  نفسه، ص 157- 188.
25-  نفسه، ص 157.
26-  نفسه، ص 189- 223.
27-  نفسه، ص 222.
28-  أنظر كتاب غريماس "La sémantique structurelle" الذي استعار فيه مفهوم "التشاكل" من حقل الفيزياء إلى حقل اللسانيات، ليحلل به تشاكل المضمون في الخطاب، وانطلق منه محمد مفتاح لبلورة المفهوم، ثم توظيفه في قراءة نصوص عربية.
29-  محمد مفتاح- قراءة في تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، مرجع مذكور- ص 20.
30-  نفسه، ص 21.
31-  تحدد جماعة M "التشاكل" في الآتي: «تكرار مقنن لوحدات الدال نفسها (ظاهرة أو غير ظاهرة)، صوتية أو كتابية أو تكرار لنفس البنيات التركيبية (عميقة أو سطحية) على امتداد قول، فهو حسب منطوقه ومفهومه لا يخلو منه خطاب سواء كان علميا أو فلسفيا أم سياسيا...». وينتقد محمد مفتاح هذا التعريف، لأنه، حسب رأيه، ينطبق على الخطاب العلمي أو ما شاكله، لكنه لا ينطبق على الخطاب الشعري أو الأسطوري أو الإشهاري. فالجماعة –وهي تُنَظِّرُ للشعر الذي يقوم على خرق اللغة وهدم المقولبات- «فرضت شروطا لقبول التراكيب وصحتها لا تنطبق إلا على أنواع الخطاب التي تعبر بلغة مفهومية أو شيئية باردة»  أنظر كتابه "قراءة في تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)" ص 21- 24.
32-  محمد مفتاح- قراءة في تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، مرجع مذكور ، ص 20- 21.
33-  نفسه، ص 21.
34-  نفسه ص 25.
35-  نفسه، ص 25.
36-  نفسه، ص 28.
37-  نفسه، ص 31.
38-  نفسه، ص 79. يقدم محمد مفتاح نموذجا لهذا التشاكل التركيبي، في البيت التالي، بين صدره وعجُزه- ص 72:
   ومَا         //    أَقَالَتْ       //   ذَوِي       //  الْهَيْآتِ                             //  مِنْ         //  يَمَنٍ
   ومَا          //   أجَارَتْ      //  ذَوِي         //  الْغاياتِ                           //   مِنْ         //  مُضَرِ
   مقولة النفي   //    مقولة الفعل // مطابقة تامة  // مطابقة في الصيغة الصرفية    // مطابقة تامة  // مطابقة في الصيغة الصرفية والعَلَمِيَّة.
39-  تزفيطان طودوروف- الأدب في خطر- ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي- دار توبقال للنشر، الدار البيضاء- الطبعة الأولى 2007- ص 12.
40-  في كتابهما "المحتالون بالثقافة: سوء استخدام فلاسفة ما بعد الحداثية للعلم" "INTELECTUAL FRAUD" عنوان كتاب ألّفه، سنة 1997، الأمريكي ألان سوكالSokal  والبلجيكي جان بريكمونتBricmont ، وهما من كبار أساتذة الرياضيات والفيزياء عبر العالم. سَعَيَا فيه إلى «أن يوضِّحا أن مفكرين ونقادا ومثقفين مشهورين من فلاسفة ما بعد الحداثية يستخدمون في كتاباتهم، وبشكل متكرر المفاهيم والمصطلحات العلمية بطريقة خاطئة بل وجاهلة، إما باستخدام أفكار علمية خارجة عن السياق تماما ودون أي تبرير، أو إنهم يلقون باللغة الاصطلاحية العلمية أمام القراء-غير العلماء بالطبع- دون اعتبار للمقام أو حتى للمعنى الذي يريدونه. مما يجعل كتاباتهم بلا معنى أو تحمل مفاهيم خاطئة» ومن بين هؤلاء جاك لاكان Lacan، وجوليا كرستيفاKristeva ، وفليكس غاتاري Guattari، ولوس إريغارايIrigaray ، وجيل دولوزDeleuze ، وبرونو لاتورLatour ، وجان بودريار Baudrillard. ويُعرف خطاب هذا الكتاب بـ: "خُدعة صوكال". (أنظر: نبيل راغب- موسوعة النظريات الأدبية- مكتبة لبنان ناشرون- بيروت، لبنان- الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان- الطبعة الأولى 2003-  ص 527- 528).
41-  محمد مفتاح- تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، مرجع مذكور- ص 84.
42-  جان كوهن- بنية اللغة الشعرية- ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري- سلسلة المعرفة الأدبية- دار توبقال للنشر- الطبعة الأولى 1986- ص 173.
43-  أنور المرتجي- أفكار عن "الأسلوب الأخير" في كتاب محمد مفتاح- ضمن كتاب: نظرية الشعر، قراءة في كتاب "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية" للأستاذ محمد مفتاح- تنسيق: أحمد بوحسن- محمد الوهابي العلمي- منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة محمد الخامس أكدال، الرباط- المملكة المغربية- سلسلة: كراسات الكلية، رقم 4- الطبعة الأولى 2013- ص 13-  20. (استعار إدوارد سعيد هذا التوصيف من الفيلسوف الألماني أدرنو، أحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت، الذي أنجز بحثا حول الموسيقار بتهوفن حول "سوناتات البيانو الخمس الأخيرة"، نشره سنة 1937. وقد بين فيه أن تقدم عمر الموسيقار لم يحل بينه وبين الإبداع الجريء والمغاير الذي يخرق القواعد ويتجاوز المألوف ويقلب النظام).
44-  محمد الداهي- تشييد نظرية شعرية موسَّعة بمنهاجية سيميائية- ضمن كتاب: نظرية الشعر، قراءة في كتاب "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية" للأستاذ محمد مفتاح- مرجع مذكور- ص 37- 55.
45-  أنور المرتجي- أفكار عن "الأسلوب الأخير" في كتاب محمد مفتاح- ضمن كتاب: نظرية الشعر، قراءة في كتاب "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية" للأستاذ محمد مفتاح- مرجع مذكور- ص 17.
46-  د. علي آيت أوشان- مقاربة في الأنساق- ضمن كتاب: نظرية الشعر، قراءة في كتاب "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية" للأستاذ محمد مفتاح- مرجع مذكور- ص 152.
47-  د. عبد الله إبراهيم- الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة- الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، لبنان- دار الأمان- الرباط، المغرب- الطبعة الأولى 2010- ص 79.
48-  نفسه، ص 79.
49-  د. محمد عابد الجابري- نقد العقل العربي 1- تكوين العقل العربي- المركز الثقافي العربي- الطبعة الثالثة- دجنبر 1987. ص 159.
50-  نفسه، ص 103.
51-  نفسه، ص 137. (يورد الآية التالية للاستدلال ﴿أوَ لَوْ كانَ آباؤُهمْ لا يَعْقِلونَ شيْئًا ولا يَهْتَدُونR وَمَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذي يَنْعَقُ بِما لا يَسْمَعُ إلَّا دُعاءً ونِداءْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونR﴾ (البقرة 169- 171).
52-  محمد مفتاح- النص من القراءة إلى التنظير- مكتبة المدارس- الطبعة الأولى 2000- ص 59.

53- Pierre Chavot- Dictionnaire des dieux, des saints et des hommes- Copyright © Archipel- Paris, 2008, P. 360
54-  د. محمد الكحلاوي- محمد مفتاح والخطاب الصوفي، فرادة القراءة- ضمن كتاب: محمد مفتاح المشروع النقدي المفتوح- تنسيق د. عبد اللطيف محفوظ ، د. جمال بندحمان- مرجع مذكور- ص 158.
55-  د. محمد حلمي عبد الوهاب- فاعلية الولاية الصوفية في رؤية زكي نجيب محمود النقدية للتصوف- عالم الفكر- عدد 170- أكتوبر- ديسمبر 2016- المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت- ص 86- 90.
56-  د. محمد حلمي عبد الوهاب- فاعلية الولاية الصوفية في رؤية زكي نجيب محمود النقدية للتصوف- مرجع مذكور- ص 82.
57-  محمد عابد الجابري- نظام القيم في الثقافة العربية، المروءة والطاعة... والسعادة والفناء- مجلة فكر ونقد- السنة الثانية- العدد 20، يونيو 1999- ص 22.
58-  عبد الله العروي- ثقافتنا في ضوء التاريخ- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- المغرب- الطبعة السادسة 2002- ص 174.
59-  نفسه، ص 176.
60-  تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية- ترجمة وتحرير وتقديم : محمد الجرطي- منشورات المتوسط- ميلانو، إيطاليا- الطبعة الأولى 2015- ص 123- 124.
61-  تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية- ترجمة وتحرير وتقديم : محمد الجرطي- مرجع مذكور- ص 124.
62-  أنظر آراء تزفيتان تودوروف في "مقال مجلة الكتب- عدد 24/09/2009 تحت عنوان: تزفيتان تودوروف: العيش داخل الجدران يشوه الإنسان من الداخل. و: "مقال "جريدة الزمن، عدد 24/01/2012 تحت عنوان: ترفيتان تودوروف والديموقراطية المتآكلة من الداخل. حوار مع تودوروف عبر كتابه "أعداء الديموقراطية الحميمون" في: تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية-مرجع مذكور. ص 109 وما بعدها.
63-  تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية- ترجمة وتحرير وتقديم: محمد الجرطي- ص 138. يصرح تودوروف: «من جهة، هي علاقة تعاقب، قمت بدراسات في الأدب، وبعد خمسة عشر سنة أمضيتها في فرنسا، ومع اندماجي بشكل كبير في المجتمع الفرنسي، بدأت أغوص في مجالات غير أدبية، وتعدد الثقافات، والكليانية والديموقراطية، والحياة المشتركة. لكن، من جهة أخرى، أواكب المجالين معا لأني أعتقد أن الأدب –وحتى الرسم (التصويري)- يشاركان في فكر عصرهم، ويقومان بذلك بشكل عميق ودقيق للغاية. لكي نفهم حقبة زمني ما، لا نملك في أغلب الأحيان من مرشد أفضل سوى كتاب وفناني تلك الحقبة.»
64-  تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية- ترجمة وتحرير وتقديم : محمد الجرطي- مرجع مذكور- ص 161.
65-  د. صبري حافظ- أفق الخطاب النقدي، دراسات نظرية وقراءات تطبيقية- دار شرقيات للنشر والتوزيع- القاهرة، مصر- الطبعة الأولى 1996- ص117.
66-  تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية- ترجمة وتحرير وتقديم : محمد الجرطي- مرجع مذكور- ص 21.


قائمة المراجع:
1-       محمد مفتاح المشروع النقدي المفتوح- تنسيق د. عبد اللطيف محفوظ ، د. جمال بندحمان- الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان- منشورات الاختلاف، الجزائر، الجزائر العاصمة- الطبعة الأولى 2009.
2-       د. محمد مفتاح- دينامية النص (تنظير وإنجاز)- المركز الثقافي العربي. الطبعة الثانية، حزيران 1990.
3-       محمد مفتاح- تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء المغرب- الطبعة الثانية- 1986.
4-       محمد مفتاح- رؤيا التماثل- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، المغرب- الطبعة الأولى 2005.
5-       نظرية الشعر- قراءة في كتاب "مفاهيم موسَّعة لنظرية شعرية" للأستاذ محمد مفتاح- تنسيق: أحمد بوحسن- محمد الوهابي العلمي- منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة محمد الخامس أكدال- الرباط- المملكة المغربية- سلسلة: كراسات الكلية، رقم 4- الطبعة الأولى 2013.
6-       تزفيطان طودوروف- الأدب في خطر- ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي- دار توبقال للنشر- الدار البيضاء- الطبعة الأولى 2007.
7-       نبيل راغب- موسوعة النظريات الأدبية- مكتبة لبنان ناشرون- بيروت، لبنان- الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان- الطبعة الأولى 2003.
8-       جان كوهن- بنية اللغة الشعرية- ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري- سلسلة المعرفة الأدبية- دار توبقال للنشر- الطبعة الأولى 1986.
9-       د. محمد عابد الجابري- نقد العقل العربي 1- تكوين العقل العربي- المركز الثقافي العربي- الطبعة الثالثة- دجنبر 1987.
10-    تزفيتان تودوروف- نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات- تأملات في الحضارة والديموقراطية والغيرية- ترجمة وتحرير وتقديم : محمد الجرطي- منشورات المتوسط- ميلانو، إيطاليا- الطبعة الأولى 2015.
11-    عبد الله العروي- ثقافتنا في ضوء التاريخ- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- المغرب- الطبعة السادسة 2002.
12-    د. صبري حافظ- أفق الخطاب النقدي، دراسات نظرية وقراءات تطبيقية- دار شرقيات للنشر والتوزيع- القاهرة، مصر- الطبعة الأولى 1996.
13-    محمد عابد الجابري- نظام القيم في الثقافة العربية، المروءة والطاعة... والسعادة والفناء- مجلة فكر ونقد- السنة الثانية- العدد 20، يونيو 1999.
14-    د. محمد حلمي عبد الوهاب- فاعلية الولاية الصوفية في رؤية زكي نجيب محمود النقدية للتصوف- عالم الفكر- عدد 170- أكتوبر- ديسمبر 2016- المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت.

15-    Kant. Immanuel- Critique de la raison, pratique… Fondement de la métaphysique des mœurs- Paris 1848- Librairie philosophique de LADRANGE.
16-    Pierre Chavot- Dictionnaire des dieux, des saints et des hommes- Copyright © Archipel- Paris, 2008.
17-    Dr. Youssof M. Reda- AL-KAMEL AL-KABIR Plus- -6ème  édition 2007- Librairie du Liban Publishers S.A.L. Beyrouth- Liban.






تعليقات