صورة المرأة في أدب محمد العروسي المطوي

صورة المرأة في أدب المرحوم  محمد العروسي المطوي  
في روايتي "حليمة" و"التوت المر"

ريم العيساوي

تتميّز المرأة بحضور بارز في الإبداع العربيّ  ،القديم والحديث ،وليس غريبا أن تسم الرواية العربية بدايتها الفنية الجادة بحضور المرأة ضمن اهتماماتها ، فتكون "زينب" لهيكل تلك البداية وتتلوها سلسلة من الأعمال القصصية والروائية التي لا تكاد تخلو من وجود المرأة بشكل صريح أومضمر ، سواء أكان واقعيا أو رمزيا.  
ويعرف بعض النقاد الرواية بأنها فنّ الشخصية ، و يقيسون رقيّها الفنيّ بمدى قدرتها على تقديم شخصيات مقنعة للقارئ بواقعية الأحداث التي تتفاعل معها. 

و جنس الرواية أقدر الأجناس الأدبية على تصوير الواقع تصويرا حيّا، و المرأة  طرف من ذلك الواقع، فهي تمثّل جزءا من مقومات المجتمع و تتفاعل مع ما يحدث فيه و تشخّص بعض سماته التعبير ية.
و لا شكّ أنّ الرواية العربية ما فتئت  منذ زينب هيكل إلى اليوم ، تحتفي بشخصية المرأة كجانب فاعل   ومؤثر في مسار الرواية، له خصوصيته في إشكالات هذا الفن الأدبي و قضاياه  و قد اقترنت الرواية العربية بالوعي العميق بقيمة الشخصية و الحرية الفردية للإنسان .؟.

والمبدعون عامة والروائيون على وجه الخصوص ، على وعي كبير بارتباط المرأة بحركة المجتمع، وهي ذات دلالات ثرية ،تجعلها رمزا لعدة وضعيات . وقد نالت الشخصيات النسائية التاريخية حيزا من اهتمام الروائيين ، فجاءت بعض الروايات التاريخية حاملة في عناوينها لأسماء نسوية مثل رواية " زينوبيا " وهي ملكة تدمر و"ايزيس" ، وأخرى ذات دلالة فنية مثل أحلام شهرزاد  لطه حسين .  "

و صورة المرأة و أزمتها هي الجانب الذي حظي بعناية خاصة من الروائيين و استنفد كثيرا من جهدهم،  و تختلف صور حضورها من صنف إلى آخر، و من مبدع إلى غيره، ممّا يستدعي البحث و التأمّل في الإشكالات التي يثيرها حضورها في هذا المجال أو ذاك. ومن هنا، نطرح  الأسئلة التالية  :هل جاء حضور المرأة في أدب محمد العروسي المطوي الابداعي شكليا ، رغبة منه   في تحلية كتاباته تلك بصورة الأنثى ؟ أم أنّه جاء لطرح قضايا مختلفة للواقع و العلاقات بالفرد و المجتمع ؟ و ما هي الوجوه التي تجلّت فيها صورة المرأة ؟ وما هي الدلالات التي نهضت بها كشخصية أساسية ؟ و ما نوع العلاقات التي تربطها بالرجل و إلى أي حد تعكس صورتها الواقع أو رؤية الكاتب لذلك الواقع ؟ هذه جملة من الأسئلة سنحاول الإجابة عنها ، اعتمادا على روايتي "حليمة  "و" التوت المر"   .
   صورة المرأة في رواية "حليمة" : 

قسّمت رواية حليمة  إلى قسمين : قسم حليمة الفتاة الريفية التي لا تعرف إلاّ مغزل الصوف والقيام بشؤون المنزل  .


وقسم حليمة  الشابة التي استقرت بالمدينة وبدأت تتكشف على ما يخضع له المجتمع من سوء معاملة المستعمر لأبناء الشعب وما تقوم به المقاومة السرية من أجل التخلّص من تلك الهيمنة . ويتفرع كل قسم منهما إلى فصول صغيرة مرقمة خاصة بوقائع تساهم في جمع أحداث الرواية .  

حليمة في هذه الرواية أنموذج المرأة الواعية بهموم الوطن ، إذ يتلقى زوجها تعليمات لإيصال كميات من المتفجرات إلى رجال المقاومة بجنوب البلاد ،ممّا يضطره للاختفاء خوفا من القبض عليه من طرف بوليس المستعمر  . وهنا تتصدى حليمة لمواصلة مهمة المقاومة إلى جانب زوجها ، وتقوم بحمل حقيبة المتفجرات ،وهي عملية تنفذها بحذق وشجاعة ، ثم يتواصل نشاطها ضمن مقاومة المستعمر، من موقف الاقتناع بذلك ، وتشارك في المظاهرات وتتعرض للإيقاف واستجواب البوليس  والضرب المبرح إلى حد الإغماء ،فتنقل إلى المستشفى وكانت حاملا  ،وهناك تتعرف على الممرضة  سعاد إحدى عناصر المقاومة التي تربطها بخلية المقاومة السرية ، وتتعاون حليمة مع سعاد للقيام بتهريب أحد المقاومين ،  وتتجلى روح النضال لدى حليمة من خلال وقوفها إلى جانب زوجها عبد الحميد و صبرها على تبعات اعتقاله والحكم عليه بعشرين سنة أشغال شاقة ويهرب من المستشفى متنكرا في زي امرأة .    

و قد رسم الأديب محمد العروسي المطوي صورة حليمة كأنموذج  للمرأة التونسية الواعية بما يتعرض له الوطن من انتهاك الحريات و استغلال . و تبدو هي رافضة لوجود المستعمر، الذي سلب الأراضي   ونهب الثروات و تحكّم في مصير أبناء البلاد. و تبدو حليمة في صورة المرأة المؤمنة بالقضية الوطنية  والالتزام  بالتخلص من الاستعمار، لذلك  تنخرط في المقاومة و تقف إلى جنب الرجل وقفة الأبطال ،    حتى أصبحت رمزا للكفاح الوطني.

نمت  صورة حليمة عبرالرواية  طفلة متلهفة لمعرفة سر وفاة والدها، حائرة العقل تسكنها أسئلة لا تكف عن طرحها على والدتها ،.تعيش وحيدة امها في صراع حاد مع نفسها و مع محيطها المدرسي والاجتماعي  ،حتى عيّرتها يوما ،إحدى زميلاتها بأنها"ابنة  السارق"،فحزّ ذلك في نفسها كثيرا،لأنها لم تكن تعرف سبب وفاة والدها ،وهو سر، حاولت والدتها أن تخفيه عنها إشفاقا عليها و خوفا من ضياع دراستها . و تبدو حليمة مفرطة الحساسية ،تتأثّر بكلام النّاس،فلما عيرتها زميلتها سعاد ،  اشتكت لأمها:"لقد حطّمتني ،فما أستطيع رفع رأسي بعد اليوم".ثم تظهر بعد ذلك، شابة ملحاحة لجوجة في السؤال عن والدها ،حتى أنها وصلت حد الانهيار و إضاعة الامتحانات و الانقطاع عن الدراسة حزنا.أما في أعين الجيران،فهي"فتاة مثالية على سمو من الأخلاق و نبل عاطفة و رقة و حسن سلوك .."

عرفت شخصية حليمة التطوّر، بحسب تقدمها في السن.فمن طفلة في الابتدائي،إلى شابة تعلمها والدتها الصناعات التقليدية و تجهّز لها جهاز العروس و تعدها للزواج من عبد الحميد.في تلك الأسرة الفقيرة، مما دفع أمها للتداين لتأمين زواجها.و إثر ذلك، تنتقل حليمة من القرية إلى مدينة تونس ،وهو ما مثّل منعرجا حاسما في حياتها ، مكّنها  من إنضاج شخصيتها ووعيها بضرورة مقاومة المستعمر و النضال من أجل استقلال البلاد . 

أما في عين عبد الحميد زوجها:" فهي شجاعة أمينة في مستوى طيب من النضج السياسي و الوعي  الوطني. و قد جاء على لسانها في الرواية إنها "مستعدة للمقاومة حتى الموت ". و تبدو حليمة على درجة كبيرة من الصلابة، بعد أن تعرّضت للعنف و هي حامل،دون أن يفتر صمودها و تحديها. و ثبت إصرارها على المقاومة برغم مرضها و ملازمتها المستشفى. كما تبرز وطنيتها  في قولها:"أن أتخلى عن النضال سبب لتعذيب ضميري."

تعليقات