_________
بقلم رياض المرزوقي
- "
ليه تهدموني , وانا اللي عزكم باني ؟ "
محمود بيرم التونسي
بيني وبين ( بيرم التونسي ) وشائج ,
سمّها ما أردت , وفسّرها كما شئت , فهو
من أقرب الناس إليّ .
عرفت الرجل من خلال حديث والدي عنه ,
وعن جماعة ( تحت السور ) ,
رغم أن هذا الحديث كان نادرا , ويبدو
أن ( المرزوقي ) يتجنب - عادة - تناول فترة
زمنية كانت في الآن من أخصب الفترات بالنسبة
إليه , وأكثرها ألما وتضييقا .
ثم التقيته في آثاره المختلفة ,
وخاصّة مجموعة أزجاله , ومقاماته .
واشتغلت سنين طويلة في جمع نصوصه
المنشورة في تونس , ورجعت من أجلها
إلى دار الكتب الوطنية التي أفنيت
شبابي بين مخطوطاتها , فتتبعت كتابته في
جريدة ( الزمان ) , و( الشباب ), و(
السرور ) .. وعشت أيامه المتعبة , ولياليه الأرقة
ومعاركه المتعددة مع المحافظين ,
و"الذوات " , وأهل السياسة والمال والفن في تونس ,
والحق أن هذا الرجل رغم قصر إقامته
ببلادنا , قد حرّك الجو الثقافي بصورة
لم تحدث قبله ولا بعده .
والحق أيضا أنه كان من الذين لا
يمكنك أن تكون على الحياد معهم .
كان قلب جماعة ( تحت السور ) النابض
, ورفيق ( الدعاجي ) , وكان " تونسيا "
أكثر من بعض الذين نفوا عنه ارتباطه
بالوطن .
والمؤلم حقا أن ( بيرم ) في مذكراته
, وكتاباته المصرية بعد عودته إلى وطنه ,
قد اختصر الحديث عن مرحلته التونسية
إلى حد يجعلنا نفترض أنه كان مجروحا
منها .
وإذا كان أعداؤه الكثر من المحافظين
, والخصوم السياسيين , قد أمعنوا في
"تقزيم " دوره , ومهاجمة
أدبه , فإن بعض من يفترض أن يكونوا إلى جانبه
بذلوا ما في وسعهم لتشويه صورته ,
وتقديمه في هيأة مرتزق مأجور,
وحشّاش مسطول , وما شابه ذلك .
لقد عاش ( بيرم ) غربة مضاعفة , غربة
نفيه من مصر , وغربة تنكر
التونسيين له . و"الغريب من كان
غريبا في وطنه " , كما يقول ( التوحيدي ) .
تعليقات
إرسال تعليق