علامات 14 بقلم رياض المرزوقي
***
( العلامات روح الطريق )
43 - بوليرو " في رأسي بوليرو
يقتلع قلبي جذرا , جذرا " ر.م
عرفت الموسيقى الكلاسيكية الغربية في سنّ المراهقة عن طريق الإذاعة خاصّة . فلم
تكن بيئتي الأولى تسمح لي بالخروج عن إطار الموسيقى الشرقية , وبعض الأغاني
التونسية . وعندما اكتشفت هذه الأعمال , احتجت إلى وقت طويل لتذوّقها .
لكني منذ دخلت الجامعة , وامتهنت التدريس , أقبلت على هذه الموسيقى إقبال المدمن ,
لأني وجدت فيها الروح التي تقتحم الكيان لتعبّر عن مختلف الأحاسيس ,
والرغبات , والأحلام , والصور دون حاجة إلى كلمات تصحبها , أو أداء يقيّدها .
إن هذه الموسيقى هي عنفوان التحرّر من القيود الأرضية , تزرع في أفق سامعها
عوالم أوسع من أن تحدّ .
قد تكون بعض أنغامها نسيما مسائيا , أو خرير مياه تحت الجسور , أو غيوما
عابرة في سماء صيفية , وقد تذكّر بالزهور , والنجوم , والعطور , لكنني أفضّل
منها ما يقرع أساطين القلب بعنف , ويأخذ من العروق جذورها , ويرحل بالنفس
وراء الأبعاد ...
حضرت منذ سنوات حفلا عزفت فيه قطع من هذه الموسيقى , أقيم ببرلين ( قبل أن
يسقط الجدار ) , فكان أمرا مذهلا لم أعشه قطّ , ولا في ظني أنه يتكرّر .
وأصغي الآن لقطعة مفضّلة لديّ رغم انتقادها عند المختصين الذين يعيبون عليها
بساطتها , ورتابة جملها الموسيقية التي تتكرّر , وتعاد ...
وفي تصوّري أنها شبيهة بالحياة التي تتعدّد أيّامها , وتتكرّر في أغلب الأحيان ,
وكأنّ القدر يؤدي باستمرار حكمه الأبديّ , السير نحو الفناء ...
" وعدت بعدما تلاشت السبلْ
عدت إلى حبيبتي كالنار , كالأمل
صادفت في الطريق غولا ... اسمه الأجل "
إنها ( بوليرو ) الفرنسي ( رافال )
Ravel
أعيش فيها أكثر من حياة , وأموت معها أكثر من موت .
تعليقات
إرسال تعليق